* دائماً الشعوب، أو الدول المتقدمة ذات الطموح الوثاب تنقل رحى الصراع إلى الخارج، والصراع لا يفهم منه فقط على أنه الصراع المسلح، أو العسكري أو السياسي، أو على السلطة، بل إن الصراع والتنافس الشريف في سائر العلوم الحديثة هو لون من ألوان الصراع، لأن القوة الاقتصادية لأي بلد تعتمد على قدرة الدول والشعوب على الإنتاج،
والقوة الاقتصادية والعلمية لأي دولة تفرض ثقافة ذلك البلد وتجعل الآخرين له أتباعاً لحضارته. وحول هذا المفهوم وتقييم الواقع يمكن المقارنة بين دول العالم الثالث والدول الأخرى المتقدمة المنطلقة التي تعد الأجيال للحياة بشكل صحيح، وخطى مدروسة.
* جميع الدول العربية التي ضربها تيار التغيير، وسرت إليها رياح الفوضى الخلاقة المزعومة في السنوات الثلاث الأخيرة تتسابق الأحزاب السياسية والقوى المتصارعة في هذه البلدان إلى تأجيج الصراع الداخلي، شعرت بذلك، أو لم تشعر، كان ذلك بإرادتها، أو بإرادة الغير، فتصفية الخصوم من الداخل، والحط من مبائ كل حزب، والنيل من القائمين عليه، أو اتباعهم بكل وسيلة ممكنة هو الخط الذي يسيرون عليه، بل زاد الطين بله حينما انتقل الصراع المذهبي والتصنيف الطائفي من كونه محصوراً بين رجال الدين في تحريمه وتجريمه والجدل فيه إلى أن أصبح السياسيون والمعنيون بإدارة شؤون الدول تنموياً منغمسون في هذا الوحل، فانصرف الكل عن التطوير والإبداع والابتكار إلى هذا الهم، وأصبحت ثقافتنا تتشكل أو تشكلت من هذا الصراع الداخلي والانتصار الذي حققه ذلك الطرف، فتمحور الإنسان العربي في تفكيره على هذه المنهجية حتى حينما يحاول أن يشق طريقه في الحياة، وكم تغني في بعض الأدبيات التي قيلت في هذا المجال، هذا إذا لم تكن مغروسة في المناهج.
* على مستوى الشعوب العربية هذا التطاحن أو التصفيات ليس بجديد، فهذه البيئات لم تألف خلال هذا القرن وما قبله سوى هذه المعارك السياسة الداخلية، وازدادت ضراوتها مع دخول جماعات ومنظمات وقوى إرهابية ذات توجه ديني في مضمار السياسة.
* اليوم انتقل ميدان الصراع من داخل البيت الواحد في الوطن العربي إلى أشبه ما يكون أو يقرب من المواجه بين دولة وأخرى، فالمناطق الحدودية بين دولة وأخرى ساخنة وخرجت في بعضها عن السيطرة وبعضها أصبحت بؤراً استوطنت فيها عصابات ومنظمات اختلطت فيها المقاومة المشروعة مع قوى الإرهاب سيئة الأهداف والغايات، وكل ما يطرح من آراء حول من يقف وراءها مختلف فيه ومجرد تكهنات وتخمينات، وإن كان هناك شبه إجماع أنها وليدة إرهاب دولي، واضطهاد داخلي وحروب ومجاعات وتشريد وتغريب.
* بين الفينة والأخرى تصدر بيانات رسمية من الدول التي تعيش اقتتال وصراع داخلي وطائفي، هذه البيانات تأتي على شكل تفنيد لاتهامات محددة، أو على شكل استعراض لنجاحات مزعومة، في سحق المعارضة، أو المقاومة سمها ما شئت. على النقيض من ذلك الشعوب تعيسة مصابة بالبؤس والإرهاق والإحباط، ولم تعد تنطلي عليها مثل تلك البيانات، فهي تبحث عن المخرج بأي وسيلة يحقق لها أمنها ويؤمن للأجيال مستقبلها.
* اليوم الشعوب العربية، وهي تقارن بينها وبين الأمم من حولها أصبحت خجلى تشعر بالهوان على الآخرين، الإنسان العربي أمام هذه المصائب المتتالية لا يملك سوى اجترار الماضي بأمجاده الزاهية، وبحضارته الضاربة العريقة، لكن الآخرون في المقابل قد يقابلون ذلك الاستدعاء والاجترار بشيء من السخرية. ومع ذلك كله لا يمكن الجزم بأن مثل هذه الحالات لا تعدو كونها مرحلة وقتية مؤذنة بانبلاج فجر جديد، ومستقبل زاهر للأمتين العربية والإسلامية، فالتاريخ على امتداده حمل إرهاصات أشبه ما تكون بما هو واقع الآن، والتاريخ إن صحت الروايات يعيد نفسه، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.