النصرة وداعش وجهان لعملة واحدة، وعنوانان لموضوع واحد، ووجهتان للوحتين متماثلتين، كانت وما زالت النصره تمثل القاعدة، وخرج من رحمها داعش، ولا بد لهذا الحمل المريب من زوج خفي، وقابلة أيضاً، عملت على رعاية الولادة، وربما رضاعة الجنين وتربيته، لكن يظل الحمل حمل سوء، والولد ولداً غير صالح، وفساد الآباء يدرك الأبناء، ومن العجيب أن حملها لم يستمر طويلاً، كما أن نمو الطفل وبلوغه سن العمل، ولا أقول الرشد، قد تم في سرعة فائقة، ربما لأنه كان يأكل أكلأ طيباً، وقد توفرت له الظروف المناسبة والهرمونات اللازمة حتى وصل إلى ما وصل إليه، ومثل ذلك لابد له أن يختفي ويمرض سريعاً، وقد يموت.
إن كانوا يزعمون أنه قد جمعهم كره بشار فقد جمعهم أيضاً قتل الأبرياء، وظلم الناس وتيتيم الأطفال، وترميل النساء، ومع اتصافهم بهذه الصفات السيئة، إلا أن قلوبهم شتى، وإن كانت غاياتهم ووسائلهم واحدة، فشتات القلوب سببه تباين المصالح والمطامع، وحب الذات والسيطرة والزعامة.
الزعامة والمال شواء جديد، ووقوده رعاع الناس الذين يسيرون وراء كل ناعق، لا يحملون في أذهانهم إلا ما لقنه أباهم وقادتهم، ومشايخهم، والقنوات التابعة لهم، ناهيك عن أدوات التواصل الاجتماعي التي أضحت أكثر تأثيراً من التلفاز والإذاعة والتواصل المباشر، وخلالها يمكن أن تكذب كما تشاء، وينساق وراءك البلهاء، وهم كثيرون مع كل أسف، ولكل غاية، ومنارة وراية.
تقاتل الناس في أفريقيا ومات الملايين بسبب العرق، وتقاتل الناس في أوروبا ومات الملايين بسبب المصالح، أما نحن في البلاد العربية فنتقاتل بسبب المذهب والفكر، والفرع، وفرع الفرع، وفرع فرع الفرع، وهكذا فروع تقاتل فروعاً إلى أن يشاء الله.
الإيمان بالفرد، وليس النص مشكلة كبرى من المشكلات القائمة، والانقياد وراء الفرد دون وعي أو إحساس مصيبة كبرى سواء كان الفرد حياً أو ميتاً معاصراً أو غير معاصر، أما تفسير النصوص من قبل أولئك المرادون فحدث ولا حرج، فالصياغة بالطريقة التي تخدم الغاية أسهل من شربة ماء، ولو كانت الغاية نبيلة لهان الأمر، لكنها تظل تدور حول الزعامة والمال.
النصرة وداعش ليس لهما مستقبل، فقد أجمع العالم على نبذهما والقضاء عليهما، ولا مكان لهما في التاريخ، وسيظلان ظاهرة خرجت لتنسى وتختفي بعد الدمار والهلاك، وكلنا يعرف أن الهدم يتم في فترة وجيزة، بينما البناء يحتاج إلى أعوام مديدة.
المشكلة الكبرى أن أولئك النفر الضالين يتحدثون باسم الإسلام والإسلام منهم براء، ولهذا فإن تشويه سمعه الإسلام من قبلهم سيمثل هدماً، لكنه محاولة هدم لصرح لا يزول، فهو - ولله الحمد - راسخ رسوخ الجبال.
المشكلة ليس في القضاء على داعش فأمرها قد حُسم، طالما أن العالم قد أجمع على العمل ضد داعش والنصرة، لكن ما سيبقى هو الفكر الذي قد يستهوي البعض، فينساق وراء ركب الضلال، وهو لا يعلم أن المراد به أن يكون وقوداً لغايات عدد محدود من الأشخاص، وفكرهم ينشأ من تشابك بين المعرفة الخاطئة والحالات النفسية المتداخلة التي تخرج إلى العلن في هذا العمل غير الإنساني وغير النبيل.
محاربة الفكر يحتاج إلى جهد أكثر بكثير من العمل العسكري، ويحتاج إلى حملة عربية أولاً ثم عالميه، ويحتاج أيضاً إلى لجم بعض الأفواه التي تساعد على نشره، سواء بصورة مباشره أو غير مباشرة، وقبل ذلك كله نحتاج جميعاً إلى البعد عن التعصب، وعلينا البحث عن أوجه التسامح، وطالما أن البعض يحمل في قلبه وفي عقله مبدأ الكره والحقد على من خالفه، فسوف يقوده ذلك إلى ما لا يحمد عقباه، أو سينقل ذلك إلى شباب مشوش سيكون ضحية هذا الهوس النابع من الكره والحقد.