دشن مليكنا - أمد الله في عمره - المرحلة الأولى من (مشروع الملك عبد الله لأمن الحدود)، وانتهى التسلل مما يلي الحدود الشمالية إلى (صفر متسلل)، وعند اكتمال المشروع بجميع مراحله، خاصة مما يلي الجنوب، تصبح بلادنا (عصية) قولاً وفعلاً على هؤلاء المتسللين القادمين من الخارج، وخصوصاً الإرهابيين، ومعهم مهربو المخدرات.
وأكاد أجزم أن كثيرين لا يتصورون مدى تبعات ما تخطط له هذه الخلايا الإرهابية التي يتم اكتشافها بين الحين والآخر، و(المتسللة) من الخارج، حتى يرون بأم أعينهم، على الطبيعة نتائج هذه المخططات وفظاعتها وبشاعتها ووحشيتها. يكفي أن ترى جز الرؤوس وسهولة إقدامهم على قتل البشر في سوريا والعراق، لتعرف أي وضع مرعب يريد هؤلاء الإرهابيون جر بلادنا إليه.
لذلك فإن قياس الكفاءة لأية منظومة أمنية ليس فقط في تتبع الجناة وكشفهم بعد تنفيذ جريمتهم، لكنها - أولاً - في العمليات الاستباقية التي تمنع وقوع هذه الجرائم، وتعزيزها بمثل هذه المشاريع ذات التقنية التكنولوجية المتطورة، كهذا المشروع العملاق الذي جرى تدشينه.
وهنا سر تفوق أجهزتنا الأمنية.
ونحن نعرف جميعاً إلى درجة اليقين الذي لا يخالجه أي شك، أن الإرهاب ليس أعمالاً فردية، أو حتى حركية داخلية، وإنما هناك جهات استخباراتية إقليمية ودولية تستغله وتوظف أفراده - سواء علموا أم لم يعلموا - في خدمة أهدافها وقضاياها، وأن أولئك السعوديين الذين يقبض عليهم والمتسللين أغلبهم من بعض دول الجوار، غُسلت عقولهم وتمت السيطرة على إرادتهم حتى أصبحوا كالأجهزة التي تدار بالريموت كنترول عن بعد، تنفذ ما تؤمر به ولا تملك إلا السمع والطاعة العمياء.
وعندما تتعامل أجهزة الأمن مع جرائم دافعها فكري أو ديني أو سياسي، ويدفع من ينفذها قناعة دينية حركية جرى (فبركتها) ومن ثم توظيفها لخدمة هدف ما، كما هم الإرهابيون في بلادنا، تصبح القضية في منتهى التعقيد والتشابك، فأنت تتعامل هنا مع شقين للجريمة: شق أمني، يقوم على التتبع والرقابة واليقظة التي لا تعرف التثاؤب، ولا تتحمل أية تساهل أو تفريط، والشق الآخر ثقافي واجتماعي وسياسي بحت، والمشكلة في قضايا الإرهاب أن الفصل بين الشقين متعذر عملياً فلا يمكن أن تضطلع الجهات الأمنية بالشق الأمني، وتوكل لجهات حكومية أخرى التعامل مع الشق الثقافي أو الاجتماعي، لأن القضية متشابكة ومتداخلة ومعقدة، ومن المستحيل التعامل مع البعد الأمني بمعزل عن البعد الثقافي أو الاجتماعي، فلابد في النهاية من أن تتعامل مجبراً معها من جميع أبعادها.
خذ مثلاً جهود الحركيين المتأسلمين في تمرير (الإرهاب) على أنه ضرب من ضروب (شعيرة الجهاد).. الشاب البسيط الساذج المتحمس غالباً لا يعرف صفة الجهاد الشرعية، ولا شروطه، ولا أحكامه، كل ما يعرفه عنه أنه قتال الكفار، أي كفار حتى وإن كانوا من بعض مذاهب الإسلام الأخرى، وليس ثمة أبعد من ذلك. ومن يقوم بأدلجته وغسل مخه وسلب إرادته واستعباده يهمه أيضاً ألا يفهم أبعد من ذلك، بل يقدم له من الأدلة بعد لي أعناق مدلولاتها وتفريغها من ضوابطها الأصولية فقهياً ما يكرس هذا الفهم السطحي، ويشغله بقضايا وتحليلات فكرية وفتاوى لآخرين تثير حماسه وترسخ فيه أمرين:
أولهما سطحية الفهم، والثاني الطاعة العمياء عند التنفيذ.
وعندما يجزم من يؤدلجه أنه (نضج أيديولوجياً) وأصبح جاهزاً لأن يلقي بنفسه إلى التهلكة دون أي تردد، يجري تحديد الهدف وتدريبه على التنفيذ خارج المملكة والعمل على (تسلله) إلى الداخل ليفجر ويخرب ويهز الاستقرار.
رجل الأمن تنصب مهمته على الحيلولة بينه وبين تحقيق أهدافه فقط، أما قضايا الفكر والأدلجة والبواعث والأبعاد الاجتماعية والسياسية للموضوع فهي ليست من اختصاصاته، لكنه مجبر على رصدها، وفهمها والتعامل معها وتحفيز جهات حكومية خارج المنظومة الأمنية على علاج هذه القضايا.
وهنا تداخل المشكلة وتعقيدها وتشابكها.
فرغم نجاح وزارة الداخلية (المُبهر) في رصد وتتبع ومنع جرائم الإرهاب قبل وقوعها، إلا أن بقية الجهات الحكومية المعنية بمعالجة الفكر والثقافة والقضايا الدينية في مجتمعنا لا ترقى - للأسف - إلى ما تبذله الأجهزة الأمنية من جهود وما تواجهه من تحديات، وقد كتبت وكتب غيري عن هذا المنحى مراراً وتكراراً.
وختاماً، أود أن أشيد هنا بما يبذله سمو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية من جهود مشهودة وإنجازات تتحدث عن نفسها، تثبتها الأرقام وتؤكدها عشرات العمليات التي تم اكتشافها قبل وقوعها، ولك أن تتصور لو أن فقط 10% من هذه العمليات الإرهابية نجح الإرهابيون في تنفيذها ماذا سيحل بأمننا واستقرارنا لتعرف جهود وإنجازات هذا الرجل المتميز في هذا الحقل الخطير والحساس والمتشابك داخلياً وخارجياً، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، لذلك أقول لسموه نيابة عن كل مواطن يهمه أمن الوطن واستقراره: لله درك!
إلى اللقاء.