أعتقد أن هذا السؤال من الأسئلة المفصلية التي ترسم ملامح المشهد السياسي العالمي المعاصر، ليس هذا فحسب، بل إن الإجابة عنه تفسر كثيرًا من الأحداث التي نعتقد أنها محيرة وغريبة في عالمنا المعاصر، أكثر من هذا وذاك النسيان أو عدمه - في نظري - هو المسؤول الأول عن تشكّل خريطة المستقبل ومحاولة إنزال الغضب الأمريكي واقعًا معاشًا وحدودًا جديدة على أرضنا العربيَّة. من قدر له أن يزور نيويورك ويقف على منطقة البرجين يتعجب من الجهود التي تبذل لأجل بقاء هذا الحدث - اللغز حيًا في نفوس الناس، ليس فقط من يحمل الجنسية الأمريكية أو حتى الغربيين فحسب بل الزائر العالمي من أيّ أرض كان.. إنهم يبيعون كل شيء من أجل أن تبقى ذكرى ضرب البرجين سببًا للتعاطف العالمي مع الضحية، وفي ذات الوقت للعن وشتم وكره أصحاب هذا الفعل المشين الذين ينتمون للإسلام، للعرب، ويحمل غالبيتهم الجنسية السعوديَّة!!. لقد بذلت قيادة بلادنا الحكيمة حفظهم الله ورعاهم جهودًا متميزة طوال السنوات الماضية من أجل تحسين صورة الإسلام الذهنية في العقلية الغربية خاصة وبالأخص الأمريكية، ودعمت وما زالت تدعم كل مشروع عالمي يهدف إلى مواجهة ومنازلة هذا الفكر الضال المتطرف، وأعلنت براءتها التامة بل براءة الإسلام المتهم من هذا السلوك الإجرامي الدخيل، ومع ذلك.. ومع أن أشد المتضررين من هذا المنهج الضال هم نحن إلا أن أصابع الاتهام كانت وما زالت موجهة لنا، وكاميرات الرصد والتحري مسلطة علينا، والتوجس والتخوف منا دون غيرنا، ولذا فالكثير من الكتاب والمحليين والراصدين لمجريات الأحداث وهم يؤكدون عشية ذكرى هذا الحدث العالمي المهم تنامي التطرف وتعزز وجود الإرهاب في الحراك السياسي والعسكري العالمي يتحدَّثون بكلِّ صراحة ووضوح عن مقاطن هؤلاء القوم ومواطن نشأتهم وتسلسل تكوينهم الفكري والعقدي ومحاضنهم التربويَّة والتعليميَّة و... ويبقى السر ومازال في نظري يحتاج إلى دراسة معمقة وتحليل دقيق. لماذا النَّشء في بلدي لديهم قابلية التوظيف والتسيير من قبل الجماعات المتطرفة، بل وحتى العكس حيث يخضع في المقابل شباب آخرون للتوظيف الغربي المشبوه والاختطاف السافر الملحوظ.. متى يكون لدينا الاعتزاز المطلق بما نملك.. متى نستطيع أن نضبط بوصلة التفكير المنطقي ونتحرك على أساس «التعارف العالمي» الذي ندبنا الله له، لا التحارب أو الارتماء؟. هذه ليست مسؤولية السياسي ولا العسكري بلي أمانة في عنق المربِّي الذي تقع عليه تبعات بناء العقل وتهذيبه وتنمية ملكة القدرة على التمييز الدقيق والصحيح بين الخيط الأبيض والأسود «الحق والباطل» لدى إنسان الوطن، خاصة أن معالم كل منهما محددة وواضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. إن اقتراف شاب سعودي واحد للعنف الموجِّه للذات «الانتحار» أو العنف الوجه للغير « القتل» يعد في نظري مؤشرًا واضحًا على وجود خلل كبير في مناهجنا التربويَّة، فكيف إِذا كان هذا الجرم يقترف من جمع يدينون بهذا الدين وينطقون العربيَّة ويحملون الجنسية السعوديَّة؟!. نعم لدينا خلل تربوي نتج في نظري جراء التناقض والتباين بين مفاهيم ومكونات وأساليب مؤسسات التنشئة الاجتماعيَّة، إذ بالرغم من الجهود الرسمية المبذولة من قبل التربية والتَّعليم الرامية إلى ردم الهوة والإصلاح إلا أن هذه الجهود تتكسر أمام مناهج التربية وطرائق البناء في الأسرة - القبيلة، والحي، والإعلام، والاستراحة حيث جماعة الرفاق «الأصدقاء» المؤثِّر الأقوى في نظري على كثير من سلوكيات شبابنا اليوم، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تبني علاقات وهمية في عالم افتراضي، وتأسس لوشائج قربى هلامية عبر فضاء رحب لا حد له إلا السماء. إن هؤلاء المكسرين لهم أثر قوي في اختطاف أبنائنا والرمي بهم في أتون المعركة، ولكن وهو الأهم ما السبيل إلا ضبط المنظومة وتوحيد الرؤية التربويَّة بين مفردات التنشئة؟. عندي أن الحل يكمن في تغيير ما في النفوس، وإصلاح ما بيننا وبين الرب سبحانه، ومن ثمَّ تربية الأسرة على مبادئ عالميَّة والتخلي الحقيقي عن مفاهيمنا المجتمعية التي تتعرض ومنظومة القيم الحضارية - المدنية.. الحل في علاج واقعنا داخل بيوتنا قبل مطالبتنا بترميم ما قد يكون من خلل بين أروقة مدارس أبنائنا، ولذا لا بُدَّ أن نعود من جديد للمربع الأول، ولا ضير أن تقام دورات تدريبية وفصول دراسية لإعداد أم مثالية وأب فاضل حتَّى يكون النشء صالحاً وهنا أعود لما سبق وأن ناديت به من قبل «وزارة الأسرة»، دمتم يخير وتقبلوا صادق الود والسلام.