نشرت إحدى الشخصيات المعروفة في الانستغرام صورة كاريكاتورية شهيرة، تصور المرأة وهي تشتري من رجل خلف الكاشير، وأخرى تصور الرجل وهو يشتري من المرأة، واصفين المشهد الأول بأنه أمر عادي والثاني بأنه ممنوع، ولم تمضِ دقائق معدودة على نشر الصورة، حتى انهال وابل من الرسائل الغاضبة والسطور المتشنجة، بكل ما تحتويه من رفض وشتيمة أحياناً، بل وحتى اتهامات ذات طابع عنصري بغيض، يرفض الفكر الذي يشكك في تناقض المجتمع الذي يبيع للمرأة ويرفض أن يشتري منها.
وتنوعت ذرائع الرفض وأعذار الشجب والاستنكار الجاهزة بطريقة وصفها ورفضها لمبدأ الصورة جملة وتفصيلاً، لكن اتفقت غالبيتها على أن المرأة التي تبيع خلف الكاشير ستكون فريسة سهلة لمخالب الذئاب البشرية من الرجال بأطماعهم الشهوانية الجامحة، حين تقترب منها وتغازلها وتستميلها بحلو الكلام وعذوبة اللفظ، ما قد يؤدي لاحقاً إلى الوقوع في براثن الرذيلة لا قدر الله، في حين يقف الرجل خلف الكاشير بكل كفاءة واقتدار دون أن يجرؤ حياء المرأة ونبل أخلاقها على التحرش به أو استمالة عواطفه.
إن هذه الأعذار المعلبة التي تطرح كلما فتح موضوع الاختلاط وعمل المرأة وقيادتها للسيارة ودخولها ميادين عملية جديدة لكسب العيش، تخرج مدحوضة من فم قائلها، حينما تضع أصابع الاتهام على الرجل الذي يتهم نفسه في كثير من الأحيان، عبر افتراض بشاعة فعل بني جنسه ودينه ووطنه، حين يكون في موضع التعامل والاختلاط مع المرأة.. فكل السيناريوهات التي طرحت في مساحة التعليق، التي كتبت بأصابع ذكورية، كانت تفترض سوء فعل الرجل وفكره إذا ما واجه المرأة أو عمل معها كزميل أو رئيس.
السؤال الذي يطرح نفسه.. من هم هؤلاء الرجال الذين تتحدثون عنهم؟ أليسوا أبناء هذا الوطن الغالي الذي يحكمه قانون ودين؟ ألم يدرسوا كما درستم? مواد دينية من المفترض أنها علمتهم الحلال من الحرام وأرشدتهم إلى القيم والأخلاق الإسلامية؟؟ ألم يتعرضوا كما تعرضتم لعشرات بل ربما مئات الخطب الوعظية والنصائح الدينية عبر المنابر والقنوات المختلفة؟ ألم يُمارس عليهم وصاية اجتماعية مكثفة ضخّمت دور العادات والتقاليد وما يندرج تحتها من عيب وحرام؟ إن كان الجواب نعم، فمن المفترض أن يردعهم الدين ومواعظ الفضيلة كما ردعتك عن الوقوع في الحرام.. وإن كان جوابك بالنفي، وكان الصراع حامياً بين الوقوع في الخطيئة والإفلات منها، فمن المفترض أن يكون كذلك للمرأة أيضاً وليس للرجل فحسب.. ما يفرض علينا وضع قانون صارم للتحرش لكبت تلك النوازع الشهوانية لدى الجنسين!!.
للأسف أن كثيراً من المبادئ التي انطلق على ضوئها دين محمد - صلى الله عليه وسلم - قد تغيرت، مع مرور الزمن وتخلف بعدها الإنسان، حيث كانت المرأة في ذلك الزمن حاضرة في جلّ ميادين الحياة.. في السياسة والإفتاء والمشورة والحرب والحقل.. كما كانت موجودة في السوق بائعة ومشترية، حتى أن الفاروق - رضي الله عنه - عيّن شفاء بنت عبد الله رئيسة الحسبة في سوق المدينة تراقب وتحاسب الغش التجاري وتختلط بالنساء والرجال.. دون أن تقام الدنيا وتقعد على مصطلح مريب اسمه «الاختلاط»، ودون أن يعلق ملف عمل المرأة وقيادتها لدابتها عقودا طويلة، بسبب خيالات تفترض تحرش الرجل بها أو تحرشها به.. حيث كان الحلال والحرام بيّن، والفطرة السوية طاغية على الهوس بجسد المرأة وعباءتها وتفاصيل اختلاطها بالرجل.. فما الذي حدث اليوم؟ وما سبب اقتراب علاقة المرأة بالرجل ذهنياً بعلاقة الذئب والشاة.. مشوبة بالمحاذير والأطماع على الرغم من تفتح العالم وتطور الإنسان المدني كثيراً في مواقع أخرى من هذا العالم.. ولله من وراء القصد.