بمناسبة اليوم الوطني لبلادنا أقدم معلومات تاريخية عن مسيرة الملك عبدالعزيز لعلها توضح مقدار المعاناة التي صاحبت تكوين هذا الوطن:
في عام 1319هـ/ 1902م أعلن الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن عن نفسه واتجه نحو أمة معاندة - إمارة كانت أم قبيلة-؛ اتجه إليها استجابة لنداءات سياسية وأمنية وتاريخية, وحتى عام 1344هـ/1926م كان قد نجح في تكوين دولة عرفت أولاً باسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها, ثم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها. ثم المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ/1932م؛ وبذلك رفع علم واحد داخل الدولة الوليدة, كما رفع كذلك في المحافل الدولية.
ونجح عبدالعزيز في وضع الدولة الناشئة على بداية طريق التطور والنهوض؛ فهو كما عد أحد المؤرخين» لو كان عبدالعزيز قد ولد لأجل السلطة فإن من المؤكد أن العظمة والسلطة لم يكونا البتة مفروضتين عليه, ولكن نستطيع القول إنه قد حاز على العظمة بجدارة وذلك بقوة شخصيته لا نظير لها في كل تاريخ العرب».
ولكن: هل كان عبدالعزيز مدركاً لقيادة شعبه وسط مآزق المستقبل وشراكه؟
يحق لنا أن نسأل والتاريخ حر طليق, فقد كان وحتى دخوله الحجاز قد اجتاز كثيراً من الأزمات: من ضيق المفاهيم إلى سعة الأمل, حمل علم الوحدة وعانى في سبيلها, إلى أن رأى حلمه قد تحقق.
و لكن: لماذا الحجاز؟
لأنه مثل التحدي, ولأنه به ومن خلاله كانت «النعمة المتخفية».
حياة عبدالعزيز ومسيرته مملوءة بكثير من التحديات والأحداث والإنجازات, وكل تفاصيلها تجسد مشاهد للتأمل لمن أراد أن يتعلم, فحياته؛ منذ أن كان شباباً إلى أن توفاه الله كلها عمل, وهمة ومتابعته أذهلت المحيطين به ومن عرفوه عن قرب وأشير إلى قول محمد أسد الذي عرفه وقابله: «كان مثل يوليوس قيصر يمتلك قدرة عالية على متابعة أكثر من موضوع ومشكلة في آن واحد دون يخلط بينها, أو يشوب القصور متابعته أياً منها, وهي موهبة مكنته من إدارة جميع شؤون المملكة بنفسه -على الرغم من اتساع أرجائها- من دون أن يصيبه ذلك بأي تشويش أو إحساس بالإرهاق والإجهاد».
أعود إلى الحجاز..
فرض الحجاز تحدياً كبيراً على عبدالعزيز؛ إذ بقدر ما نجح في تطويع القبائل وفرض الأمن؛ فإنه واجه صعوبة في إدارة الحجاز؛ إذ اصطدم بتجربة جديدة في الإدارة لم يعهدها من قبل, فقد كان السائد فيه نوع من الإدارة يشبه -إلى حد ما- النموذج الأوربي. والحجاز مكان لتجمع الحجاج سنوياً من كل أنحاء العالم, وهو على ما كان عليه دولة فيها وجود لدول أجنبية, كما أن موقع الحجاز قرب دولة عبدالعزيز من دول لم يكن له تماس مباشر معها من قبل.
و الحقيقة الواضحة هي أن الملك عبدالعزيز أتى الحجاز تسبقه سمعة لم يكن بمقدور أحد أن ينال منها وبثقته في تلك السمعة فرض السلام والأمن, وإذا كان النجاح قد حالفه في تحدياته السابقة؛ فإنه واجه في مركز قيادته مشاكل ذات طابع جديد لم تسعفه خبرته السابقة في إيجاد حلول لها.
و بصورة مفاجئة ودون سابق إنذار حلت السنوات العجاف؛ إذ ضربت الأزمة العالمية دول العالم في جمادى الأولى 1348هـ/أكتوبر 1929م, وانعكس تأثيرها على الحجاز, والذي لم يستطع النأي بنفسه عن تداعيات الأزمة - وفقاً لرأي الوزير المفوض البريطاني في جدة وقتها- ؛ وذلك لاتصال الحجاز بالعالم المتمثل بالحج أولاً والتجارة التي من خلالها يتم تحصيل الرسوم الجمركية ثانياً, وهما المصدران المهمان لدخل الدولة.
ضربت العاصفة الاقتصادية البلاد مثل صاعقة من السماء, واستمرت سنوات, وكان موسم حج عام 1347هـ/ 1929م واحداً من أسوأ مواسم الحج على الإطلاق, وما تبعه في السنوات اللاحقة؛ إذ بدأ عدد الحجاج يتناقص ففي عام 1351هـ/ 1933م وصل عدد الحجاج إلى عشرين ألفاً, وانشغل الملك في تخصيص جزء كبير من وقته لدراسة الوسائل وبحث الإجراءات التي تكفل تحسين شؤون الحج وتنظم موسمه وتستقطب أعداداً كبيرة إليه.
أما الجمارك فقد قلَّ دخلها وبدأت بالتراجع بشكل مخيف، وزاد الأمور سوءاً ما تعرضت له العملة من أزمة صرف وتذبذب وانخفاض أمام العملات الأجنبية وهو ما استدعى تدخلاً من الدولة لا سبيل إلى الإفاضة فيه في هذه العجالة.
وللحديث بقية في الأسبوع القادم إن شاء الله.