مهما يكن حجم التصنيفات المعتادة والسهلة، وهي بالمناسبة الوحيدة المتجددة والمتطورة لدى المحرضين.
من ماسوني إلى جامي، ومن ليبرالي، إلى زنديق وملحد وغيرها الكثير، إلى علماني - مع أن الأخير وصف لا ينطبق على الأفراد أبد..!
إلا أن حكم الردة وفتاوى التكفير أصبحت اليوم أسهل من شربة ماء، بل وأصبح لها فقه وفقهاء يملكون جرأة استثنائية، بينهم دعاة مشهورون ومسعورون على الإنترنت وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها.
حيث أصبح للكراهية دعاة ممنهجون أو مبرمجون عليها، وللتطرف أتباع ورعاع جاهزون ومجهزون جهلاً وعدواً،
وللإرهاب تيار شرس يختفي خلف الدين والتدين -للأسف- ثم يدَّعون الوسطية والاعتدال كذبا وتزييفا، فيما تحولوا من طلاب علم، ومهدين للنصيحة إلى غوغاء باحثين عن اللطم والضحايا، ومفتشين لما بين الكلمات والأحرف وحتى في الجمل العصية على فهمهم الضيق تحريضا وتدليسا!
لا أبالغ إن قلت إن الكذب والتضليل المتعمَّد جزء من لعبتهم الخطرة خارج المعاني والنوايا، في مهمة تقسيم الجمل، وتفتيش أحرف الكلمات لإشباع شهوة خطرة جداً في التكفير، والتكفير مجدداً بشكل غريب وسهل، بل وبصيغة تتنافس في سرعة استجابتها. وهنا ستكتشف أن فكر داعش وأنصارها وأخلاقها وتوجهاتها ليس بعيداً عنا، بل هو منا وبيننا.
لم يتوقف التحذير يوما من خطر التكفيريين، ولا حتى تلك الرموز المشهورة الواقفة في المنطقة الرمادية والتى تتحرك حسب مصالحها وحساباتها، وتنتظر اللحظة!
ودائما هدفهم غير المعلن واضح في النهاية، هو إرهاب الصوت الآخر، الآخر عكس إرادتهم واتجاهاتهم الأحادية المتطرفة والتكفيرية باستمرار وبإدمان عجيب.
لكن هؤلا المخدوعين بسطوتهم التكفيرية التى لا تتردد عن عسف كل نص مهما بلغت قيمته وتقديسه لا يمكن لهم استيعاب أن أشياء كثيرة تغيرت في الوعي الشعبي والرسمي، بما في ذلك من يسمونهم باستخفاف ب «العامة» أيضا!
وعي بالحقائق القديمة الجديدة للفكر القاعدي الداعشي التكفيري الخطير الذي ينبغي مواجهته، والذي لم ولن يفلح في اختطاف الدين الإسلامي والأمة لصالح تطرفه الذي يقصي كل من يختلف معه، أو يكشفه على حقيقته عن الدين كله..!
فيما العصابات الإجرامية المتطرفة الرافعة كذبا وعدوانا «راية التوحيد» والتي لا يتردد جنودها عن تلاوة الآيات وسرد الأحاديث وهم يقطعون الرؤوس والأطراف ويجلدون بلذة غريبة الظهور والمؤخرات، كما أتباعها المكبرون لكل فعل إجرامي.. وهم الأحق بالتكفير والمواجهة، مسكوت عنهم أو متعاطَف معهم.
تخيل.. أن أصحاب فكر الدواعش وفقهاءهم في محتمعنا -للأسف- هم من يصمت عن هذه العصابات القاتلة دون استنكار أو تنديد وبتواطؤ واضح.. وهم في الوقت ذاته من يتفرغون بفتواهم للتفتيش عن كل ما يمكن أن يرهب من يحارب تشددهم وعنفهم وتكفيرهم!
لكن الحرب على الفكر الإرهابي ودعاة الكراهية باقية، وفي كل اتجاهات في محاربة المتلونين وعصاباتهم من داعمين ومتعاطفين وممولين فكريا وماديا.
فالحلم الجميل الذي يجمعنا أن نكون في سلام ومحبة في مملكة الإنسانية والتسامح والاعتدال.. وهو ما لن يتحقق إلا بدحر الإرهاب بفكره ورجاله ودعاته وعشاقه.
وأن نحتفي بكل يوم للوطن مدركين أنه الخط الأحمر الثابت.. فالوطن بأمنه وسلامته للجميع مهما كانت التصنيفات، وتبقى الحقيقة مشتركة.. والكشف مستمراً عن التكفيرين ودعاتهم وأهدافهم أيضا!