تسأل: لماذا لا تعمل المرأة في مطارات بلادنا في استقبال القادمين إلى المملكة أو المغادرين منها، كمأمورة جوازات أو في خدمات الخطوط الجوية الأرضية أو في الجمارك؟
الإجابة على هذا السؤال ذو توجهين. التوجه الأول: (حرام) ويختصر القصة دون أن يقدم لك دليلا.
التوجه الثاني يلجأ إلى الذريعة القديمة الجديدة وهي (الخصوصية) ولا أدري من أول من اخترع هذه الذريعة العنصرية، التي تُرضي غرور الأنا فينا، وتجعلها ترتقي بذاواتنا كما لو كنا نختلف عن خلق الله، وتُكبلنا بموروثات اجتماعية، لن نتقدم حتى نتحرر منها؛ ومن يقرأ مسيرة تحرر المرأة في العالم، وحقها في العمل، سيكتشف أن كثيرا من المجتمعات اضطرت إليها، لأن المرأة العاملة عنصر بناء وتنمية، والأمثلة على تفوقها في الغرب وفي الشرق أكثر من أن تحصى؛ هذا طبعا إضافة إلى أنه حق من حقوقها الأصلية.
أما الحلال والحرام فلم يعد الأمر كما كان قبلاً، حيث يفتي فلان، ويقرر أن هذا حرام وهذا حلال دونما دليل، لتتحول الفتوى إلى تشريع ملزم. ولعل ردة الفعل الاجتماعية الغاضبة التي رافقت فتوى الكاشيرات الشهيرة تُجسد التطور الثقافي والحراك الاجتماعي الذي يمر به مجتمعنا؛ فرغم صدور هذه الفتوى غير المؤصلة من أعلى جهة مرجعية تعني بالفتاوى في بلادنا، إلا أن أسواق المملكة الآن تعج بالعاملات في مجالات كثيرة، وبدأ الناس يتعودون عليها، وخفتت الأصوات المعارضة شيئا فشيئا مثلما انتهت تماما أصوات من يعارضون تعليم المرأة، اللهم إلا من بعض (مطاوعة) الأرياف المتكلسين، وهؤلاء هم - أيضاً - في طريقهم للاندثار والتلاشي.
أريد من لجأ إلى تحريم عمل المرأة في المطارات كمأمورة جوازات مثلاً، أن يبرر لي كيف أن المرأة المسافرة أو القادمة إذا وقفت أمام مأمور الجوازات (الرجل)، وقدمت له جوازها، يكون ذلك حلالاً، بينما إذا جلست على مقعد المأمور، وقدم لها الرجل المسافر أو القادم جوازه، يكون ذلك حراماً؟
أعرف تماما أنهم يفتقرون للدليل، ليس فقط الدليل الشرعي فحسب، وإنما الدليل العقلي المنطقي، بل و(المصلحي) أيضا؛ إذاً فالقضية قضية تشدد وتعصب للعادات والتقاليد الموروثة ليس إلا. ولو سايرنا دعاة التعصب للعادات والتقاليد وجاملناهم ورضخنا لهم، فلن نبرح مكاننا قيد أنملة؛ وسوف تتراكم مشاكلنا التنموية، حتى نصل إلى مستوى كارثي حتماً.
بعض المترفين الذين ترتعد فرائصهم من المواجهة، والمواجهة حتمية و إن كانت مؤلمة، يزعمون أن مجاملة هؤلاء وعدم (استفزازهم) من شأنه أن يُحاصر الإرهاب ويقضي على ذريعة الإرهابيين. وهذا عذر أقبح من فعل؛ فأنت هنا كأن تجامل ذلك الشيخ المتكلس بمقاييس زمنه الذي رفض التنقيب عن النفط في بلادنا، لأن إدخال الكفار إلى جزيرة العرب لا يجوز؛ هب أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - جامل هذا الشيخ وأقرانه ورضخ لمطالبهم ومنع التنقيب عن النفط لكي (لا يستفز) أولئك المشايخ المتكلسين، هل سيقوم لتنمية هذه البلد قائمة؟
ومن المحزن والمخجل أن (داعش) التي يعمل العالم الآن على سحقها، قد اتخذت من قمع المرأة في الموصل ومنعها عن العمل وإبقائها في منزلها لا تبرحه، ديدنا وأسلوب حياة، مُتخذة من بعض فتاوى مشايخنا مرجعا وحجة؛ وكأن محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لم يرسله الله لعبادته جل شأنه وحده دون سواه، وإنما لكي يكتم أنفاس النساء، ويُلبسهن عباءات سوداء وقفازات، ويمنعهن من البيع والشراء، ويُحرّم تبضعهن من الأسواق ما لم يَكُنَّ بصحبة مَحرم رجل؛ وهذه ممارسات - بالمناسبة - لم يعرفها تاريخ الإسلام والمسلمين قط؛ فالمحرم في السفر إذا زاد عن مسيرة يوم وليلة أما تعامل الرجل مع المرأة من خلال مَحرم فمخترع صحوي محض.
إن نجاحنا في فرض عمل المرأة في الأسواق، لا يعني أن نكتفي بذلك، وإنما هناك مجالات أخرى، كالمطارات مثلاً، يجب أن تدخل المرأة إلى العمل فيها؛ فأنا على يقين لا يخالجه شك، أن توسعنا في هذه المجالات ونحوها، لن يمتص معدلات بطالة السعوديات المتفاقمة مقارنة ببطالة الرجال فحسب، وإنما سيدفع بمتشددينا إلى التماهي مع شروط العصر رغما عنهم، ويعوّدهم على أننا جزء من هذا العالم، ولسنا استثناء عليه، أو ذوي (خصوصية) مختلفة عنه.
إلى اللقاء..