ظاهرة العبث بالممتلكات العامة في مدارسنا في بلدنا الحبيبة مشكلة واضحة ولافتة للانتباه، ولعل من أبرز وأصدق الأمثلة على تلك المشكلة السيئة، هناك مدارس عانت ولا تزال تعاني إلى يومنا هذا من تلك المشكلة، ولعل آخرها ما تناقلته الصحافة عن حادثة حفر الباطن.. مراهقون يقتحمون مدرسة ويعبثون بممتلكاتها أثناء الدوام! وأدى ذلك إلى إصابة الحارس والاستنجاد بالدوريات الأمنية أثناء الدوام بالمدرسة!!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة: لماذا الطالب لا يعبث بممتلكات بيته؟ ويدافع عنها لأنها ملكه هو، لا أعتقد أنه لا يدرك نتائج سلوكه السلبي، على الأقل إذا كان العبثُ يحصل أكثر من مرة، ومن قِبَل نفس الطالب أو الطلاب هو لا يرتدع عن سلوكه هذا، لا لأنه لا يدرك أن المدرسةَ هي ملكُه؛ بل لأنه يعلم تماماً أنه لن يدفعَ فاتورة صيانة أو استبدال ما قام بإتلافه، أو ينالَ أية عقوبة نظراً لعدم تفعيل لائحة التعليم الأساسي والثانوي، وهذا ما يشجعه على عدم الاكتراث لما يقوم به بينما هو حريص أشد الحرص على ممتلكاته الخاصة في البيت!
إذن القضيةُ ليست قضيةَ إدراكٍ لنتائجِ ما قام به من سلوك، بل هي قضية إحساس بالمسؤولية من عدمه فبقدر ما له من حقوق، في المقابل واجباته تجاه الآخرين، ومن المؤسف أن معظم تلك الأعمال تُنسب إلى طلبةٍ هم في مرحلةٍ متقدمةٍ من العمر، شبابٍ ينتظرهم الوطن الحبيب كي يُعلوا شأنه في المستقبل القريب، نعم هذا الوطن الذي قدم لهم الغالي والنفيس، ولم يبخل عليهم بشيء في يومٍ من الأيام، وإذ نحن على أتمِّ اليقين أن أبناءنا الطلبة من هم على قدر كبير من المسؤولية، فإننا لا نعمم تلك السلوكيات، بل نحصرها في فئةٍ صغيرةٍ في معظم الأحيان، لكن تلك الفئة الصغيرة بالطبع لها أثرها السلبي على الجميع وهي ظاهرة ممتدة على طول مراحل التعليم المختلفة، لكن مرحلة التعليم الثانوي هي المحطة الأكثر بروزاً لظهور هذه الظاهرة السيئة، حيث إن التغيرات الجسمانية والنفسية والعقلية في هذه المرحلة العمرية تكون أرضاً خصبة لظهور كثير من المشكلات في حياة الإنسان خصوصاً مع ضعف أو فقدان التخطيط الأسري والمدرسي والمجتمعي عموماً ولاحتواء هذه المرحلة العمرية الخطيرة، ونلاحظها في مدارس البنين أكثر وضوحاً وقسوة من مدارس البنات بسبب الفروق الطبيعية المعروفة للذكور والإناث، وهناك عوامل متعددة تقف وراء ظاهرة العبث بممتلكات المدرسة عند الطلاب والطالبات، منها العوامل النفسية كالحرمان والكبت، ومنها الأسرية كعدم استقرار الجو الأسري نتيجة الخلافات بين الزوجين أو الطلاق أو اليتم من دون كفيل، ومنها الاجتماعية كرفقاء السوء وضعف المؤسسات الاجتماعية في تأدية أدوارها المختلفة.
وللحد من هذه الظاهرة بطرق تربوية، أرى أهمية التفكير في الأساليب والآليات الكفيلة بحفظ وتنمية شعور الطالب بحاجته للانتماء لمدرسته ومحبته لها؟ فبقدر ما يفلح المعنيون بالموضوع وخصوصاً الأسرة والمدرسة بتوعية الطالب وجذبه لحب المدرسة، نكون قد حولناها من ظاهرة إلى حالات شاذة في المجتمع المدرسي بإمكان إدارة المدرسة تطويقها والحد من تداعياتها، والعكس بالعكس، وفي الختام، فإنني أدعو إدارات المدارس وأولياء الأمور والمعلمون بضرورة التفكير الجدي والتعاون للقيام بالدور المنوط بهم في هذه الظواهر الخطيرة والتي تؤثر سلباً على مستويات أبنائنا وبناتنا التحصيلية والسلوكية.