في موسم الحج من كل عام أنتظر بشوق خطبة يوم عرفة وكلمة خادم الحرمين الشريفين والتي يتم توجيهها للحجاج، ففي هاتين الكلمتين مجمل ما يهم العالم العربي والإسلامي ومن خلالهما يتلمّس الفرد أهم القضايا التي يعيشها العالم العربي والإسلامي.
نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - ألقى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - كلمة حجاج بيت الله الحرام لهذا العام في مشعر منى، وقد ضمت الكلمة العديد من المعاني الهامة وفي مقدمتها أن سبيل التعايش الوحيد ونشر السلام في العالم في هذا العصر هو من خلال الحوار.
لقد قال - حفظه الله - في كلمته (لا سبيل إلى التعايش في هذه الحياة الدنيا إلا بالحوار، فبالحوار تحقن الدماء، وتنبذ الفرقة والجهل والغلو، ويسود السلام في عالمنا.. وإن الأمل ليحدونا أيها الإخوة بأن يُؤتي مركز الحوار بين أتباع الأديان أُكله في دحر الإرهاب الذي اشتكى منه العالم كله، ورُزئ به عالمنا الإسلامي اليوم)، كما سأل الله أن (يصبح الحوار والنقاش أساس التعامل فيما بين الأمم والشعوب).
ولعلنا نستفيد في مجتمعنا من هذه الدعوة الكريمة التي يوجهها خادم الحرمين الشريفين للعالم العربي والإسلامي لنكون نحن في مجتمعنا قدوة للأمم في هذا المجال، فنتعايش مع بعضنا البعض بالحوار ونحرص على أن نطبق آداب الحوار فيما بيننا ونحفظ حقوق بعضنا البعض فلا نخطئ ولا نتجاوز على بعضنا البعض، ونسعى لأن ننبذ الفرقة فيما بيننا فلا نجعل للعصبية مكاناً، ولا نفضّل بعضاً على بعض إلا بما فّضل به المولى، ولننبذ الجهل والغلو لنعيش في سلام داخلي ونعيش في أمان وأمن.
لقد تضمّنت كلمة خادم الحرمين الشريفين توجيه العالم العربي والإسلامي إلى الطريق السليم لتحقيق هذا الهدف النبيل، وذلك من خلال ما ورد في كلمته - حفظه الله - (أن تكون الأجواء كلها مهيأة لذلك، وهذا الأمر يتوقف على التنشئة الأساسية للأبناء والأجيال ورعاية الشباب «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» إني لأرجو أن يكون علماء هذه الأمة ودعاتها وأصحاب الفكر قدوة للشباب بإعطائهم النموذج الأمثل في الحوار والتعامل، وأن يبيّنوا للمسلمين جميعاً ما ينطوي عليه الدين الإسلامي من سماحة ووسطية كما عاشها سلفنا الصالح).
إن من يرى ما لدينا من أجواء للحوار في مجتمعنا سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل الإعلام الحديثة أو مواقع التواصل الاجتماعية أو حتى من خلال بعض من يظهرون للناس وكأنهم قدوات في المجتمع يرى كيف أن مستوى الحوار لدينا يسير في مستوى هابط سواء في المنزل أو في المدرسة أو في العمل أو غيرها من الأماكن العامة، فلا تزال البنية التحتية للحوار تحتاج إلى جهد كبير لتحسينها وتطويرها ووضع الأنظمة والقوانين التي تساهم في تهيئة الأجواء المناسبة والمثالية لإيجاد بيئة حوار مميزة للجيل القادم، وهذا الأمر يجب أن يحرص عليه المسؤولون، وأن يضعوه في مقدمة أولوياتهم، وأن يعملوا على تثقيف الجيل بأن للحوار آداباً وقواعد وأنظمة وأن من يرغب في الحوار يجب عليه أن يلتزم بكل ذلك، وإلا فالأفضل أن لا يتحاور.
لقد ذكر - حفظه الله - في كلمته (كما على المعلمين والمربين في مدارسهم أن يُهيئوا أبناءهم الطلبة لخوض حياة تقبل الآخر، تحاوره وتناقشه وتجادله بالتي هي أحسن، فالمنهج الدراسي بيئة مناسبة لتعويد الطالب على التحاور، وتعويده على أن الخلاف مهما كان يُحل بالنقاش والحوار، وتدريبه على الأسس الشرعية التي دعا إليها ديننا في تلقي الآخر).
فطريق تهيئة الأجواء يمر بشكل رئيس من المدرسة، بل والجامعة أيضاً، فنحن نجد بعض المعلمين يفرضون على طلابهم رأياً واحداً ومبدأ واحداً ويرفض أي نوع من النقاش، بل ويرفض أي نوع من الخلاف في الرأي، مؤكداً بأنه يفسد للود قضية فلا رأي إلا رأيه ولا يمكن تقبل إلا من كان في صفه.
أعتقد أن تركيز خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في كلمته التي ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - على مبدأ الحوار قد جاءت في وقتها ونحن لا نحتاجها فقط على مستوى العالم العربي والإسلامي، بل يجب علينا أن نعيد تأكيدها في مجتمعنا أولاً لنكون قدوة لغيرنا.