ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة، قال: أخبرنا إسماعيل ابن إبراهيم عن أيوب بن حميد بن هلال عن رجل من عبد قيس كان مع الخوارج، ثم فارقهم، قال دخل الخوارج قرية فخرج عليهم عبد الله بن خباب ابن الأرت - رضي الله عنه - وعن أبيه ، ذعراً خائفاً، قالوا لن تراع، قال والله لقد رعتموني، أي روعتموني، قالوا لن تراع، قال والله لقد رعتموني، فأمنوه وطمأنوه، قالوا أنت عبد الله بن خباب بن الأرت، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال نعم، قالوا فهل سمعت من أبيك حديثاً يحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال نعم، سمعت أبي يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قال فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول، ولا أعلمه إلا قال ولا تكن عبد الله القاتل، قالوا أسمعته هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال نعم، فقدمه على ضفة النهر، وأدخلوا أصابع يديه في عينيه، ورفعوا رأسه وذبحوه كما تذبح الشاة، فسال دمه بأنه شراك نعل، وبقروا بطن زوجته أم ولده، وأخرجوا الجنين من بطنها، وهي حامل فقتلوه، فبهذا استحل أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - قتالهم في معركة النهروان، انتهى كلام الحافظ ابن حجر - رحمه الله -.
لقد عظّم الإسلام أمر الدماء والأموال والأعراض، فكانت خطبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع في التأكيد عليها، فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وكان يردد - صلى الله عليه وسلم - فيقول ألا هل بلغت اللهم فاشهد، وفي حديث عند البخاري (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، ورضي الله عن ابن عمر الذي قال (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها ، سفك الدم الحرام بغير حله) كيف لا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه النسائي: (والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا).
أيها المسلمون إنه من المعلوم، أن الخوارج أهل عبادة، وفيهم مظاهر الصلاح، وإظهار لبعض الشعائر، لما في الحديث (تحقِرون صلاتَكم مع صلاتِهم، يقرؤون القرآنَ لا يجاوز حلُوقَهم، أو حناجرَهم، يمرُقون من الدِّينِ مُروقَ السهمِ من الرَّميةِ)، هؤلاء الخوارج الشاذون ظهروا في خير القرون في عهد صحابة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فوصل بهم الحال، إلى أن حاربوا الصحابة والمسلمين، بل قتلوا الخليفتين الراشدين عثمان وعلياً - رضي الله عنهما - ألا يكفي زيفاً وضلالا أن يُجهِّل الخوارج صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكفرونهم ويحاربونهم، لقد كان عند الخوارج شيء من الحماس، ونوع من الإفراط، لكن لم يكن عندهم علم صحيح ، ولا فقه سليم مما أودى بهم إلى ما وصلوا إليه من الضلال الكبير.
أيها المسلمون إن من أعظم أسباب انحراف هؤلاء الجهل والعزلة عن المجتمع ، وعدم أخذ العلم من أهله المعتبرين، وغفلة الأسرة، وإن كثيراً من هؤلاء الخوارج حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، فيه إعجاب بنفسه كبير، وهذه كلها صوارف عن الحق ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)) سورة البقرة. وثمة منهجٌ في الانحراف كبير، أوقع الخوارج في الضلال المبين، ألا وهو دائرة الغلو، إن الغلو في دين الله هو والله سبب الهلاك، فلقد قال - عليه الصلاة والسلام - (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، الغلو مشاقة حقيقية لهدي الإسلام، وإعراض عن منهجه في الوسطية والاعتدال والرحمة واليسر، الغلو ظلم للنفس ، وظلم للناس ، بل هو صد عن سبيل الله ، لما يورثه من تشويه، وفتنة وتنفير، الغلو يؤدي بصاحبة أن يكفر المسلمين بالمعاصي بحجة نصرة دين الله وهو ضلال مبين وانحراف عن منهج أهل السنة والجماعة.
أيها المسلمون الخوارج يكفّرون بالمعاصي والكبائر، ويترتب على كلامهم القبيح، استحلال دماء المسلمين، وأموالهم ، وأن دار الإسلام دار كفر، ودارهم هي دار الإسلام, ولقد قال أبو قلابة - رحمه الله -: (ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف) فلا حول ولا قوة إلا بالله يجمعون بين الجهل بدين الله وظلم عباد الله.
أيها المسلمون مصير الغلاة هو الهلاك بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلكم ربكم فقال في محكم تنزيله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)) سورة الأحزاب.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي امرنا، اللهم من أرادنا، وأراد بلادنا وأمننا بسوء، اللهم فاشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرا عليه، يا قوي يا عزيز، إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.