في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر المنصرم اجتاحت جحافل مليشيات الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء مطيحةً بهيبة الدولة اليمنية الضعيفة والهشة أصلاً، والتي تواجه تحديات هائلة في كافة شئون الدولة؛ سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري والمتمثل في حربها التي تستنزف موارد الدولة في مواجهة تنظيم القاعدة.
وكان اليمن بسبب اجتياح جماعة الحوثي على مرمى قوس من نشوب حرب أهلية لولا ستر الله وفضله وتحركات الدول التي يهمها أمر استقرار اليمن، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي للدول العربية، والتي ساهمت مبادرتها في حقن دماء اليمنيين. وبدعم دولي عاد الدبلوماسي جمال بن عمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لليمن لإنقاذ الموقف الذي تسببت به جماعة الحوثي من التطور وحدوث الأمر الذي يتخوف منه المجتمع الدولي وهو نشوب حرب أهليه في اليمن. وبعد جولات مكوكية بين صنعاء وصعدة كان طابعها السائد تعنت زعيم جماعة الحوثي السيد عبدالملك الحوثي. ولكن جاءت النهاية باتفاق أقل ما يقال عنه اتفاق الفرصة الأخيرة لإنقاذ اليمن من ويلات الحرب الأهلية.
وجاء اتفاق السلم والشراكة الذي عقد بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي برعاية بن عمر ممثلاً للمجتمع الدولي، كضوء في نهاية النفق المظلم الذي يواجهه اليمن. وكما معروف كان من بنود الاتفاق استقالة رئيس الوزراء وتعيين رئيس وزراء جديد تتفق عليه أطراف العملية السياسية في اليمن، ورُشح الدكتور/ أحمد عوض مبارك، مدير مكتب رئيس الوزراء. ولكن ما أن أعلن قرار تعينه حتى أعلنت جماعة الحوثي رفضها له, لتعود الأمور إلى المربع الأول، وهنا بيت القصيد يظهر السيد عبدالملك الحوثي على قناة جماعته» المسيرة»، ملقياً خطاباً تجييشياً لأنصاره بالطريقة والأسلوب والتكتيك الذي يتبعه السيد حسن نصر الله في لبنان، كلما أراد حزبه أو ممولته إيران تغير الوضع في الساحة السياسية اللبنانية. حتى ليخيل للمشاهد أن من يتحدث من صعدة ليس إلا السيد حسن نصر الله ولكن بلهجة ولكنة ولسان يمني. ويبدو أن واضعي الإستراتيجية في طهران وقم وجدوا أن استنساخ حزب الله في اليمن هو الأسلوب الأمثل والسريع لتقويض أمن المنطقة.
نتائج التكتيكات الإيرانية واضحة فحزب الله يقوض تسمية رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وجماعة الحوثي تقوض تشكيل الحكومة اليمنية. ولكن فات على السيد عبدالملك الحوثي أن استنساخ إستراتيجية حزب الله في اليمن سيكون كارثياً على البلاد، وهناك بون شاسع من الاختلافات بين الوضع الديموغرافي والثقافي بين كل من لبنان واليمن. فالقبيلة ومكوناتها هي السائدة في الكيان الاجتماعي لليمينين بالإضافة إلى انتشار السلاح بينهم بملايين القطع وبمختلف أنواعها. ونشوب حرب أهلية في اليمن ستكون مقارنتها بالحرب الأهلية اللبنانية كمقارنة الصراع بين قط وأسد. ووقتها لن ينفع الندم ولن تعود الساعة للوراء، فالحرب سهل للغاية إطلاق شرارتها، ولكن من المستحيل معرفة متى وكيف سيمكن إطفاؤها. ويعرف عقلاء جماعة الحوثي هذه الحقائق وبأن القيادة الإيرانية لا يهمها مطلقاً أمر سفك دماء جماعة الحوثي وإخوانهم في الأرض والتراث والعادات والتقاليد من بقية اليمنيين الذين عاشوا سوياً في إخاء وسلام لا يعكر صفوه أحد، إلى أن جاءت القيادة الإيرانية بشرها المستطير مستغلة الظروف الاقتصادية لتفرق بين أبناء الشعب الواحد.
وخلال إلقاء السيد عبدالملك الحوثي خطابة التجييشي لأتباعه للتظاهر في صنعاء ضد تعيين الدكتور بن مبارك رئيساً للوزراء، اعتذر الأخير عن قبول المنصب خوفاً من تأزيم الأمور ومن حس وطني يخاف على الوطن ومواطنيه بكافة مذاهبهم ليصر السيد الحوثي على التظاهر لينتهي الأمر بكارثة مزدوجة، الأولى مقتل أكثر من سبعين شخصاً وجرح العشرات من جماعة الحوثي بتفجير انتحاري بمدخل صنعاء بميدان التحرير، والآخر مقتل أكثر من عشرين جنديا يمنيا في حضرموت من قبل تنظيم القاعدة.
فشتان بين موقف بن مبارك الذي هدف لحقن الدماء، وبين موقف السيد الحوثي الذي كان موقفه سبباً رئيساً لسفكها.
والغريب في الأمر أن السيد الحوثي في خطابة على قناة المسيرة تحدث عن مفاجآت سوف تسُر أفراد جماعته الذين دعاهم للتظاهر، ليفاجئوا هؤلاء المغرر بهم بهجوم انتحاري سفك دماء بعضهم ومن بينهم أطفال أبرياء، لا ناقة لهم ولا جمل، زُج بهم في لعبة الكبار وجرح آخرين، وتيتمت أسر بريئة بسبب تعنت السيد الحوثي القابع في قصره في صعدة، كل ما يفهمه في عالم السياسة هو التصعيد ليس إلا، ولعله من الممكن وصف أسلوبه التصعيدي في حل المشاكل السياسية القابلة للحل بالحوار والشراكة، «بمتلازمة صعدة»، ولكل نصيب من اسمه!
في خطابه الناري تحدث السيد عبدالملك الحوثي عن أربعة محاور أساسية هي المظلومية، التخوين، الحرب الإعلامية وطمأنة الجنوبيين. في حديثه عن المظلومية تطرق لما يعاينه الشعب من مظلومية من قبل الحكومة، مطلب تستخدمه القيادة الإيرانية في إستراتيجيتها في تقويض أمن الدول العربية التي تجد فيها موطئ قدم، ويهدف لتفكيك السلم الاجتماعي وشرعنة العنف ضد الدولة بسبب مشاكل اقتصادية تتعرض لها حتى معظم اقتصاديات الدول الكبرى بين الفينة والأخرى، مشاكل قابلة للحل لو وجدت الاستقرار السياسي. في خطابه خوَّن الرئاسة اليمنية وقال بأنها تتلقى تعليماتها من قبل السفير الأمريكي وسفارات دول أخري، وبأن السفير هو من أشار على الرئيس لتعيين بن مبارك رئيساً للوزراء، ليتضح اختلاق ذلك باعتذار بن مبارك المُشرِّف قبل أن ينهي السيد الحوثي خطابه. شن هجوماً لاذعاً على قناتي الجزيرة والعربية وبأنهما من وراء إشاعة الفتنة والفوضى في اليمن، مشدداً بأن الحملات الإعلامية المغرضة هي التي تشوه مطالب جماعة الحوثي المشروعة والشعب اليمني الذي نصب نفسه متحدثاً عنه، وهو هنا يذكرنا بنفس تكتيكات المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق الذي كان يلقي باللائمة على الجميع لتبرير فشله الذريع في حكم العراق، نفس تكتيكات القيادة الإيرانية التي ُطبقت في العراق وفي لبنان نراها تستنسخ في اليمن وكأننا نعيش حالة تداعي للمعاني بمشهد متكرر (De Ja Vu).
ومن أجل كسب دعم الجنوبيين له، تطرق في خطابه إلى أنه مع حل مُرضٍ للقضية الجنوبية في إشارة واضحة وإن لم يقلها علناً تأييده لانفصاله عن اليمن. تكتيك يهدف في النهاية إلى تقويض الدولة اليمنية عن بكرة أبيها ويحقق له حلم الانفصال بدولة في شمال اليمن ويتضح هذا من خلال إصرار جماعة الحوثي على منفذ بحري على البحر الأحمر.
كرر كثيرا في خطابه بأن الدول الإقليمية والدولية لا يهمهما مصلحة اليمن، ونسي أو تناسى أن حلفاءه في طهران هم من يسعون من خلاله لتقويض أمن اليمن وبأن الدول الخليجية هي التي سعت بدون كلل أو ملل في دعم الحل السياسي للازمة اليمنية، وشتان بين من يهدف لخير أهل اليمن وبين من يحرض بينهم، ولا يهمه أن يري الدم العربي يسفك ويهدر بين أبناء شعب واحد عاشوا لقرون في محبة ووئام. وقادة وأهل الخليج همهم أن يروا يمنا متعافى متآخياً، ولن يبخلوا عليه في النهوض من كبوته السياسية والاقتصادية.
قال السيد عبدالملك الحوثي في خطابه ما نصه» علينا عدم الاستجابة العمياء للآخرين، همهم أنفسهم، ولا يهمهم اليمنيين»، على السيد عبدالملك الحوثي أن يجلس مع مستشاريه أعضاء مكتبه السياسي ويحددوا من له مصلحة في تخريب اليمن ومن له مصلحة في عكس ذلك، ولن يطول تساؤلهم فالحقيقة واضحة للجميع وإلا ومن خلال تصريحه الآنف الذكر ينطبق عليه المثل القائل» كاد المريب أن يقول خذوني»!