لم يكن أمرا مفاجئاً أو مستغرباً المساعدة التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للشعب العراقي، فالمملكة وقيادتها يعرف القاصي والداني بأن ديدنهم هو مد يد المعونة لمن يحتاجها وسجل المملكة في هذا المجال سجل ناصع البياض نابع من استشعارها بأهمية مساهمتها في تخفيف المآسي التي يتعرض
لها الأشقاء أوالأصدقاء بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو المذهبية أو السياسية أو خلاف ذلك. مساهمات قيمة على كافة الأصعدة أهلتها لأن تكون بحق مملكة الإنسانية وبقائد قاد دفة سياستها نحو تعزيز دورها الإنساني على المستوى الدولي ليكون لقب ملك الإنسانية لقباً مرادفاً لما حقق من إنجازات سواءً على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.
الأمم المتحدة ستكون مسئولة عن توزيع المنحة على المحتاجين من أهل العراق الشقيق بغض النظر عن التصنيفات الضيقة خصوصاً المذهبية التي هي كانت من وراء كل الشرور والمآسي التي يدفع كل العراقيين ثمنها. والأمم المتحدة في قراراتها كانت قد طلبت من الدول المانحة تخصيص ما نسبته 0.7% من دخلها القومي لتقديمها كمساعدات للدول النامية والفقيرة لنجد أن نسبة المملكة في هذا المجال تبلغ ما يقارب 6% من إجمالي الدخل القومي متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم 5.1% من إجمالي دخلها القومي للمساعدات، وبسجل كسجل المملكة في تقديم المساعدات الإنسانية أصبحت بلا منازع الأولى عالمياً في العمل الإنمائي والإنساني. وتنطلق مساهمات المملكة في هذا المجال من خلال بعدين رئيسيين، أولها البعد الإسلامي وكون المملكة شرفها الله بمقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة وما انفك هذا التشريف يضع على المملكة مسئوليات تجاه المسلمين في كافة أرجاء المعمورة عرفت قيادته بالالتزام به وعدم التفريط بكل تفاصيله، سواء كان ذلك من خلال المساعدات الاقتصادية وفي كافة المجالات لكل الدول الإسلامية الفقيرة الموارد، أو من خلال دعمها للجاليات الإسلامية في كافة بقاع العالم من خلال دعمها لإنشاء مراكز إسلامية أو تقديم منح دراسية ومساعدات في كل النواحي لتعزيز نشاط المراكز الإسلامية للتعريف بالإسلام الوسطي. البعد الثاني يمكن وصفه بالبعد الدولي لمملكة وكونها من أكبر دول العالم المصدرة للبترول، السلعة الركن في الاقتصاد العالمي، وكونها كذلك عضوا في مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم، وكل هذا وضع مسئوليات جساما على المملكة فيما يخص الشأن الاقتصادي العالمي، وقامت بدورها في هذا المجال من خلال سياسة بترولية متزنة تضع فيها مصالحها ومصالح الآخرين في عين الاعتبار. سياسة يقدرها العالم أجمع ويثمنها للمملكة التي أخذت المسئوليات المناطة على عاتقها على محمل الجد وكان نتيجة ذلك تعزيز السلم والتعاون الدولي. إقليميا تبدو الصورة واضحة جلية كما الحال على المستوى الإسلامي والدولي فيما يخص سجل المملكة المميز في دعم كل من يحتاج إليه وليس على من يريد أن يتابع دور المملكة في العمل الإنمائي والإنساني في المنطقة سوى أن يرى مساهماتها التي لا تنقطع والتي تقدمها لكل دول الجوار من الأشقاء الأقل فيالموارد الطبيعية، ولكن في المقابل، وفي المرصود والملاحظ والذي لا يختلف عليه اثنان فإنه وفي مقابل يد الخير والتعاون التي تقدمها المملكة لدول المنطقة تقدم الدول الأخرى النقيض فتسعى بكل الوسائل على تقويض أمن وسلامة دول المنطقة وكأننا حقيقة أمام صورة سريالية ليد تبني وتسعى للخير، ومعول في المقابل كل همه الهدم وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية في سعي لا يعرف الكلل أو الملل لتقويض أمن المنطقة وجعلها تعيش دوماً في صراعات لا نهاية لها، منتهجة الشعار الاستعماري الذي كانت تنتهجه الدول الاستعمارية والمتمثل بمقوله «فرق تسد». العراق يعتبر مثالاً صارخاً لما قد ينتج عنه التدخل الخارجي في شئون الدول سواء كان المعنى بذلك التدخل الأمريكي أو الإيراني. حتى الساسة الأمريكيين وبعد فوات الأوان ووقوع الفأس على الرأس كما في المثل الشعبي يعلنون بأن التدخل الأمريكي في العراق كان خطأ في غاية الفداحة بنتائج كارثية، ومن هؤلاء الساسة كل من هيلاري كلينتون وزير الخارجية السابقة، بول بريمر الثالث الحاكم المدني للعراق بعد الغزو الأمريكي وأخيراً جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الحالي. وبانسحاب أمريكا من العراق وتركه لقمة صائغة بيد قادة طهران الذين استطاعوا وفي فترة وجيزة بعد الانسحاب الأمريكي وبوجود المالكي برئاسة الوزراء العراقية أن يقوضوا أسس الأمن الاجتماعي للشعب العراقي لتصل الحالة إلى ما نراه حالياً من خطورة وربما بقطعية بأن العراق في طريقه للتقسيم لا محالة، خصوصاً بعد إعلان الأكراد عن نيتهم إجراء استفتاء قريباً لتحديد رأي سكان إقليم كردستان في الانفصال عن العراق أوالبقاء مكوناً منه، وهو استفتاء معروف سلفاً بأن نتيجته الانفصال الذي يجد من يباركه خصوصاً تركيا، التي كانت دوماً هي من يقف بحزم ضد قيام دولة كردية في شمال العراق. في المقابل كان موقف المملكة المعلن دوماً بأنها مع وحدة التراب العراقي وبأن سياسة الإقصاء هي وراء كل ما يشهده العراق من حروب وانقسامات وفوضى عارمة. لو كتب للعراق ساسة يهتمون به وبأهله بغض النظر عن الطائفية البغيضة لما وصل بأهل العراق الحال لما نراه من نزوح وتشتت ومرض وفقر في بلد أنعم الله عليه بخيرات بترولية هائلة وبنهرين ُسمي العراق بهما بأرض الرافدين، دجلة والفرات. وكانت النتيجة الحتمية للسياسات الإقصائية حرب وفوضى وخراب ودمار، وآن لساسة العراق أن يعودوا إلى رشدهم، ليستقر حاه ويعود كما ُعرف عنه مشعلاً ثقافياً وحضارياً وركناً أصيلاً من الأمة العربية، وقادة المملكة وشعبها ينظرون لذلك اليوم الذي ينعم فيه أهل العراق بالسلم والأمان والاستقرار الذي سيعم نفعه الجميع، عوضا عن الفوضى والحرب الكريهة التي يصفها امرؤ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا ما استعرت وشب ضرامها
عادت عجوزاً غير ذات خليل
شمطاء جزت رأسها وتنكرت
مكروهة للشم والتقبيل