ليس غريبا أن تشن السلطات الإيرانية هجوماً عنيفاً على السعودية، بعد صدور حكم المحكمة الجزئية الابتدائي في الرياض، والذي يقضي بإعدام - مثير الفتنة بالعوامية - نمر النمر. فسارعت وسائل الإعلام الإيرانية بالإيحاء لوسائل إعلام، ومنظمات غربية، من بينها: صحف، ومواقع داعمة لها، بتصوير المدعو بأنه عالم دين، وشخصية ذات نفوذ، وتأثير شعبي، متجاهلة - في المقابل - حكما شرعيا مماثلا صدر بحق - المدعو - فارس الزهراني، الذي يعد مفتي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ من أجل إشعال أهداف طائفية في المنطقة، وإشغال شعبها الواقع معظمه تحت خط الفقر بقضايا لا تمسّ مصالحه، ومستقبله.
لا زلت أذكر عبارة لوزير الداخلية السابق - الأمير - أحمد بن عبد العزيز، عندما قال: «إن مثير الفتنة نمر النمر، إنسان مشكوك في مستواه العلمي، ومشكوك في عقليته، وأن الطرح الذي يطرحه، ويتكلم فيه بهذه الصفة، يدل على نقص في العقل، أو اختلال»، ثم عدّد - بعد ذلك - الصنائع الجميلة التي أسدتها الدولة إليه، فلم تجد منه - مع الأسف - إلا جحودا للنعمة، ونكرانا للفضل. وتلك صفات لا يتصف بها العقلاء، إذ من الصعوبة بمكان، أن يكون ناكر الجميل سويا في نفسه، ومستقيما في طبائعه. بل هي من الصفات الذميمة التي نهى الشارع الحكيم عنها؛ لاتصافها بأنانية في النفس، وسوء في الخلق، وفساد في الرأي، وقلة في المروءة. وهي نتاج طبعي لغياب الوعي الثقافي، والخواء الفكري.
إن كان الأمر في علاقاتنا الإنسانية يصل إلى هذا المستوى، فهي أمارة على خسّة النفس، وحقارتها. وما أصعبه من موقف، حين تُطعن من حيث تأمن. فمنكر الجميل، وجاحد النعمة، لا مكان له بين القلوب الصافية، فهو الذي باع. فما بالك عندما يتمرد الإنسان على وطنه، ويكفر معروفه، وينكر جميله؛ حتى يصل الأمر به إلى الجفاء، بعد أن اختلطت عليه الأمور، وقلب الحقائق، وعكس الوقائع؛ من أجل أن تتجذر العداوات بين أفراد المجتمع، عندما تُشحن النفوس، وتسوء الظنون، وتتقاذف التهم!.
من يستحق الإحسان لا يُنكر الإحسان، أو يكفر بالنعمة، بل لا يليق بالعاقل أن يصدر منه ذلك. فذكر الجميل، وشكر أهل المعروف، ومكافأتهم ولو بالدعاء، هو خلق يصاحب النفوس الطيبة، والقلوب الخيرة. وهو الموافق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «من اُعطي عطاءً فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه، كان كلابس ثوبي زور». وعكس ذلك، قلة وفاء. ولا أبالغ إن قلت: إنها من أسباب زوال النعم بعد حصولها.
إن الجحود نقيض المعرفة، وترك المكافأة من التطفيف، كما قال وهب بن منبه - رحمه الله -. وهو يتنافى مع طبائع النفوس السوية، التي طبعت على حب من أحسن إليها، والتوقف إزاء من أساء إليها. وعليه، فإن حفظ الجميل، وعدم إنكاره، وشكر النعمة، وعدم كفرانها، يمثل شريان العلاقة النابض بالحب لتلك العلاقة المقدسة بين كافة الأطراف. فما بالك عندما يكون أحد طرفي تلك المعادلة، هو الوطن، وخيره، وما قدمه لهم، ثم يقلبوا لها - بعد ذلك - ظهر المجن؛ لمبادئ ساقطة، وآراء فاسدة!.
هو من سعى إلى تأجيج فتنة، وأعلنها دعوة صريحة إلى إثارة فرقة، فأطال لسانه بالتهم الباطلة، والطعون الظالمة، ثم أرغى، وأزبد بكلام مؤذ في خطبه، ومحاضراته. ووصف بلادنا، وولاة أمرنا، وعلمائنا بأبشع الأوصاف، وبأسلوب الفجاجة، والغلظة، وبكلمات السوء، والمنكر، الأمر الذي يفتح باب التأليب عليهم، ويجر ذلك من الفساد العظيم ما الله به عليم، ولا يعود على الناس إلا بالشر المستطير.
- مع الأسف - فقد كان لا يخشى في الباطل لومة لائم، دون أن يتذكر، أو يخشى، فكثرت تناقضاته، وزادت اضطراباته عندما عبث بعقول العامة، ونشر الفرقة في جسد الأمة، وسمعنا منه ما يصمّ الآذان، ويشجي القلوب، مستعملا الكذب، والوشاية، والتزوير. عندها - فقط - يكون الاتصاف بهكذا خلق ذميم مع ولاة الأمر من علامات الخوارج.
اتسع حلم الدولة في رجوعه إلى الحق؛ علّه يعود إلى الاجتماع، وينهى عن الفرقة، مع أنه لم يضرّها ما كان يتفوه به من براثن حاقدة، ومخالب حانقة؛ ليتجاهل خيرات وطن مدّ له يد المعروف، والوفاء، بل كانت تستطيع محاكمته؛ لمبادئه المهترئة، وإهانته المتعمدة، وانحرافه الكبير، وخطره العظيم، ويكفي في ذلك جرما؛ تحقيره لولاة أمره، والحط من شأنهم، والعمل على هتك سترهم، والعبث بوحدة وطن، وفق ما يخدم مصالحه.
كان بإمكانه أن يقدم لوطنه نموذج العطاء الصالح، وأن يسلك بها السبيل الأسلم، الذي يحقق بها معنى طاعة ولي الأمر، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من وحدة الصف، وجمع الكلمة، وحقن الدماء، وتسكين الدهماء؛ ولما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالهم؛ لكنه كان أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمة، والأمة، وأشدهم بعدا عن جماعة المسلمين؛ ليهدم شوكتنا، ويضعف قوتنا، ويخدم أعداءنا.
وعليه، فإن مصالح الدنيا، والآخرة، وجمع أصول الدين، وقواعده، لا تنتظم إلا بلزوم جماعة المسلمين بعد كلمة التوحيد، ومناصحة أولي الأمر. وهذا هو الطريق الأسلم، والمنهج الأوفق، والأمر الذي كان عليه سبيل الدعوة أيام الرسالة. بل إن منهجا كهذا، هو من عزائم الدين، ومن وصايا الأئمة الناصحين. أليس التاريخ حفظ لنا قول أحدهم: « إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة - إن شاء الله -»!.
إن جاز لي أن أختم بشيء، فهي الإشارة إلى أن العالم يتغير من حولنا، ومثل هذه الملفات ستشكل الخطر الأكبر على الاستقرار السياسي، والاجتماعي للدول التي تعاني من تلك المشاكل، كون هذا الصراع يحمل في طياته عوامل الاشتعال باستمرار، وتشابك الخيوط بين الداخل، والخارج، والسياسي، والمذهبي بشكل خطير، ساهم - مع الأسف - في تهديد السلم الأهلي، وبروز الهوية الفرعية، كالمذهبية، والطائفية، على حساب الهوية الوطنية. ويبدو أن العلاقة مع إيران - كانت ولا تزال -، قائمة على قضية إشكالية في تاريخ المنطقة. وما لم تستعن إيران بآليات الحوار، وطرق المنابر الدبلوماسية؛ من أجل الحفاظ على المصالح المشتركة، فإن تطور الأحداث يشير إلى تأجيج الصراعات المذهبية؛ لحسم الصراع بين أطراف دولية، ودوائر إقليمية. وهو ما يسير إليه الحراك السياسي، عبر تعزيز دوامة التطرف، والتدخلات الخارجية التي عانت منها دول المنطقة، بسبب التفاعلات الداخلية، والنزعات الانفصالية، والفتن الطائفية؛ لتكون طريقا نحو تأجيج الخلافات الإقليمية.