رحم الله الشيخ أحمد بن محمد عثمان الجبير الذي وافته المنية في الأيام المباركة من شهر ذي الحجة؛ وكان - رحمه الله - آخر أيامه في عيد الأضحى المبارك. ليس على الدنيا من هو مخلد؛ وكلنا على الرحيل لنا قدر, لكن إن كان العمل للأحياء فمن الراحلين نأخذ العبر، وعلى ما ساروا عليه نتعلم، وبمثل الجبير - رحمه الله - نقتدي في خدمة وطننا وأمتنا وأهلنا. رحم الله أموات المسلمين جميعاً، وغفر لهم ذنوبهم. لكن هناك من علينا أن نتتبع خطاهم، ونحلل حياتهم؛ لنستخلص منها العبر والدروس المستفادة، فتكون رحلتهم على هذه الدنيا منارة يهتدي بها الأحياء.
هكذا كان في حياته - رحمه الله - رجلاً متفانياً في الخدمة العامة لمصلحة وطنه وأهله. والجبير تقلد مناصب عدة، منها - مثالاً لا حصراً - الملحق الثقافي في ألمانيا واليمن، ومسؤول بوزارة التعليم العالي.. هذه المناصب العليا في الدولة لم تأتِ من فراغ وإنما أتت بجهد بُذل، وعرق سار على الجبين في فترة التأسيس، والعمل المضني الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم في المملكة من نعم وخير، نحمد الله ونشكره دائماً. الجبير - رحمه الله - عاصر العهود المضيئة للقيادة الحكيمة الرشيدة لآل سعود، وهم الذين عُرف عنهم أنهم لا يختارون للعمل العام لمصلحة الوطن إلا من تتوافر فيهم سمات خاصة، تجعل الكوكبة المرافقة من الرجال رجال النخبة والتميز في العطاء والتفاني. الجبير - رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه - من هؤلاء النخبة الذين استحقوا علينا واجب تكريمهم وتخليد أعمالهم وتقديمهم دائماً كنماذج لأجيال المستقبل؛ ليعلموا أن ما نحن عليه اليوم بعد فضل الله أتى بالعرق والدم والجهد والعمل الدؤوب.
الجبير - رحمه الله - وهو يعلم أنه بشر، وكل بشر على هذه الدنيا راحل إلى جوار ربه، ما كان لمثله أن يترك الدنيا إلا وهو غارس فيها من صلبه من يستمر على النهج نفسه وبالروح الوطنية نفسها سعياً لإرضاء الله - عز وجل - فكما عمل بنفسه لوطنه فقد أعد من أولاده من يضحون بأرواحهم في سبيل الوطن، ويفنون النفس والذات لأجله: المهندس سامي أحمد الجبير وعادل أحمد الجبير سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن والسفير خالد أحمد الجبير ونايل وماهر ومازن وبناته الكريمات.. هؤلاء الجنود الذين تركهم الجبير - رحمه الله - الذين نعزي أنفسنا بوالدهم قبل أن نعزيهم هم؛ فكل رجل من وطني بنى وأثمر هو منا، ونحن منه، ونحن كشعب أولى به أن نذكره، ونسطر تاريخه المشرق. وفي وطني الكثير ممن يستحقون وممن يجب التعمق في مسيرتهم وتقديمها لشباب المستقبل؛ ليعلموا كيف كان الأولون، وكيف أصبحنا وسيصبح اللاحقون.
بمثل الجبير - رحمه الله - نقتدي، وبمثل الجبير - رحمه الله - نعزي الوطن برحيله، ونطمئن الوطن أن أرضك ولادة، وما مات من ترك وراءه من يحملون راية الإخلاص لله والوطن والمليك.
رحمك الله أيها الجبير، أيها المتواضع، ووصلك بالدنيا وأنت في دار الآخرة قائم بعملك وتقواك، والصالحون الداعون لك.