ما يمكن أن نصفه من أعمال الحوثيين في بلدهم اليمن هو «عربدة» سياسية وعسكرية، وتمادي في إهانة الشعب اليمني بكافة أطيافه، وقد وصلت هذه العربدة إلى درجة أن أبناء وبنات اليمن مصدومون بما يفعله الحوثيون في بلادهم وإهانتهم للمؤسسة
السياسية والمؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية. كما انكشف الدور الإيراني بشكل واضح وصريح في توجيه الحوثيين غربا وشرقا وجنوبا وشمالا وفق أجندة مصالح إيرانية فارسية تحاول أن تسقط الورقة اليمنية وتدفع بها إلى المرجعية الإيرانية في قم.
لقد استطاع الحوثيون أن يملوا شروطهم على الرئاسة اليمنية وكافة الأحزاب اليمنية في إطار مؤامرة كبيرة كان قد دبرها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مع أركان حزبه وكوادرهم الحزبية في كافة مناطق اليمن، وبات من الواضح أن أعداء الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم، وتمكن الحوثيون من توظيف حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس السابق صالح في توجيه مسيرة ابتزاز الوضع المتأزم أصلا في اليمن بما يحقق أهداف إيران في هذه الدولة، وقد باع الرئيس علي عبدالله صالح اليمن من أجل هدف تصفية حسابات داخلية جاءت على حساب فكر تقسيمي واضح وهيمنة مذهبية استفزازية.
لقد سقطت صنعاء كما أشارت لها المؤسسة السياسية والعسكرية والتشريعية الإيرانية كرابع عاصمة عربية بعد دمشق وبغداد وبيروت ثم صنعاء أخيرا وليس آخرا حسب المخطط الإيراني التوسعي. ولكن اليمن تظل ذات موقع استراتيجي مهم للمنطقة العربية، والاستقرار فيها هو جزء من منظومة الأمن العربي، ووقوعه على خط ملاحي عالمي وضعها ضمن أجندة إيران التوسعية، وخاصة ضمن هدف التطويق للمملكة العربية السعودية.
وإيران ليس فقط من الأحداث الأخيرة للحوثيين ولكن منذ سنوات وهي تحاول في إرباك المشهد اليمني وتفريعه وتقسيمه بما يهيئ للحوثيين لعب دور مماثل لما يقوم بها حزب الله اللبناني (الإيراني). والهدف الإستراتيجي هو أن يصبح الحوثيون قوة عسكرية تفرض كلمتها على المشهد السياسي اليمني، وهذا فعلا ما حدث منذ دخولها العاصمة واستباحتها لكل رموز الدولة اليمنية واستيلائها على أسرار الدولة وإهانتها للمؤسسة العسكرية والأمنية، ولاشك أن للتواطئ من قبل بعض الرموز العسكرية والسياسية كان وراء هذا الانحدار في سلطة الدولة وتسليمها كافة الأجهزة للحوثيين.
ولا شك أن فتح مخازن الأسلحة أمام الحوثيين كان مقصودا حتى يمكن أن تمتلك الكوادر الحوثية على السلاح، وبالتالي تصبح حزب الله آخر في اليمن يفرض شروطه وسياسته ويحقق لها أهدافه في فرض واقع جديد. ومن يقول إن الحوثيين سيعيدون تسليم أسلحتهم للجيش اليمني هو من باب التمني، فلن تسمح القيادات الحوثية أن تتنازل عن أسلحتها وقوتها الجديدة في المشهد اليمني.
ولن تسمح إيران للحوثيين في أي اتفاقية سياسية أن تعيدهم إلى واقعهم السابق.
وبنفس الوقت فإن بارقة الأمل الوحيدة التي نراها في اليمن هي انتفاضة القبائل ضد الحوثيين كما نشهده في الحديدة وإب ومناطق أخرى، فاليمن هو مجتمع قبلي لن يسمح بإهانة المؤسسات لديه، وقد انتظرت القبائل أن تتدخل أجهزة الدولة للوقوف أمام هذه الإهانات التي تلقتها الدولة، ولكن لم تتحرك، وبالتالي تمادت قوات الحوثيين في دخول مدينة وراء مدينة ومحافظة وراء محافظة ومقرا عسكريا وراء مقر عسكري آخر, وفجرت مباني واستباحت منازل خاصة لقيادات سياسية وعسكرية وحزبية، وبعثرت نظام المدن وزرعت نقاط تفتيش وتظاهرت واحتفلت بألعاب نارية لانتصار خنقها للعاصمة اليمنية وكأن جيوش دولة أجنبية دخلت عاصمة دولة عدوة.. هذا المشهد الحوثي سيجد من يقاومه ليس باتفاقيات أو عهود أو وعود ولكن بقوة القبائل وانتفاضتها التي يمكن أن تخلق توازنا في المشهد السياسي اليمني.
ويبقى السؤال لماذا لم تتصرف دول المنطقة بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي قبل أن تتطور الأمور إلى الوضع القائم، صحيح أن سياسة هذه البلدان هو عدم التدخل في الشئون الداخلية ولكن تلك الشئون الداخلية تهدد أمن هذه الدول وخاصة أمن واستقرار دول المجلس وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وما قام ويقوم به الحوثيون تحديدا ومن سنوات وفي حربهم على الحدود السعودية وما يقومون به في أحداثهم الأخيرة يهدد أمن واستقرار المنطقة وخاصة أمن الملاحة البترولية للعالم بأسره بسيطرتهم على ميناء الحديدة ورغبتهم وسعيهم للاستيلاء على باب المندب. هذا السؤال هو الأهم في خضم الأحداث المتسارعة في اليمن، ولاشك أن من يملك الإجابة سيمسك مفاتيح الخروج من هذه الأزمة التي تتعدى اليمن إلى المنطقة العربية والخليجية.