إذا كنت فاقد الحيلة، تضيق بك الدنيا، كأنها تطبق خناقها على شهيقك. وإذا كان بينك وبين احتمال هذه الحياة، أملٌ بالله، ثم بدواء مهدئ يصفه لك طبيب نفسي، فكيف ستكون علاقتك به؟! ألن تكون كعلاقة التربة القاحلة بالماء؟! وإذا كانت العلاقة كذلك، فكيف سيتمكن المحايد من تقييمها؟!
رسمت لكم هذه الصورة السريعة، لكي تتخيلوا معي كيف يمكن أن نقرأ تجربة المستشفيات النفسية ومستشفيات الأمل. إنها قراءة صعبة لا شك، فالمرضى الذين نستهدفهم لنسألهم عن رأيهم في الخدمات المقدمة لهم، سيعتبرون أنّ الماء هو أقصى ما يمكن أن يُقدّم لتربتهم، وأن ليس هناك أكثر من الماء، وأنّ تقديمه لهم هو منتهى الكمال. بمعنى أنّ هؤلاء المرضى مستلبون بالأدوية المهدئة، ولن يكون بمقدورهم رؤية المشهد بالشكل الموضوعي.
من إذاً، سيكون ناطقاً باسمهم ومطالباً بحقوقهم في المستشفيات والمراكز التي تعالجهم، خاصة في ظل الشعار المزمن لمؤسساتنا الرسمية؛ «نحن الأفضل على مستوى الشرق الأوسط»؟!
إنّ اختفاء التقارير والمتابعات لأحوال المصحات النفسية ومصحات الإدمان، يؤكد على أننا لا نهتم إلاّ بالظاهر، أما الداخل المتواري عن الأنظار، فلا أحد يسلّط الضوء عليه. والثمن في النهاية، سيكون غالياً، وسندفعه بقسوة شديدة، كما دفعنا الأثمان الغالية في أبنائنا الذين يتم تربيتهم في الخفاء، بعيداً عن الأنظار، حيث المهدئات والمخدرات الفكرية التي تدمر العقول وتؤسس التبعية العمياء.