تقدم ذات مساء في إحدى الورش الفنية التي كنت مشاركاً بها أحد رواد الحراك التشكيلي السعودي للحديث ممتدحًا الواقعية في الفن، بل هي الفن على حد قوله، وما سوى ذلك شكل من أشكال الفن، قاصداً فنون ما بعد الحداثة, مبحرًا بحديثة الذي لا يشف ظاهره عن باطنه، ولا يتجاوب أوله وآخره، واختتم حديثه بالمثل الشعبي لإخواننا المصريين: «للي تكسبه إلعبه والجمهور عاوز كدا»، وهو يعني به أن المسألة لديه مسألة مادية، وأن الفن شيء يُكتسب منه المال، مستبعدًا أو متناسيًا أن الفن هو فكر وثقافة ومبدأ.
هنا توقفت مليًا عند هذا الخلط والهذر لدى صاحبنا (الرائد) في الحراك التشكيلي، ما الذي أوصله إلى هذه السطحية المقيتة، وحَوَّلَه من تشكيلي إلى حرفي صاحب مهنة يرتزق منها فقط، وهذه الحالة نموذج لحالات كثيرة قد نصادفها ولا نكتشف أنهم استبدلوا بالتشكيل الحرفة إلا بعد خراب مالطة.
لا بد من الإشارة إلى أن اللوحة التشكيلية لها قيمة مادية، وهذا المبدأ لا يمكن التغافل عنه هو أحد الأساس للاستمرارية في العطاء لدى الفنان التشكيلي، ولكن ليس بهذا الشكل الذي ذهب به صاحبنا إلى أن تكون المادة «الفلوس» هي الغاية واللوحة مجرد وسيلة لغايته الرأسمالية، ولا يكون تابعًا للذائقة السطحية بمجتمعاتنا التي غيبت على مدى سنين طوال عن مفهوم الفن الحقيقي ومازال يعاني من هذا التغييب الفنان التشكيلي، ويحاول بكامل جوارحه الارتقاء بها، ولا يكون أيّ الفنان لاعبًا أساسيًا بتدنيها وسخفها، ويصبح مجرد منفذ وكأنه آلة تصوير (copy) للوحات متشابهة حتى في أدق التفاصيل.
فلست هنا بالضد للمدرسة الواقعية ولكنني لست مع من يسوق أن الفن هو نقل الواقع أشبه بصورة فوتوغرافية الفن التشكيلي أرقى فكراً وأعلى قدراً، ولا أنسى أن أُذكِّر كل قارئ ومهتم بالحراك التشكيلي بهذه المقولة «العامل يعمل بيديه، والصانع يعمل بيديه وعقله، والفنان يعمل بيديه وعقله وروحه».
السؤال هنا: هل يصبح التشكيلي مجرد حرفياً؟.
هذا النموذج يجعلنا نتوقف عند حالته ونعيد حساباتنا، ونطرح التساؤل: هل يستحق لقب رائد بالحركة التشكيلية السعودية أم أنه مجرد حرفي ليس إلا..؟؛ ما هي معايير لقب «رائد» بالحركة التشكيلية؟.. وكيف نقيِّمه..؟.