ما يحدث يومياً في العالم الافتراضي وما يقدمه من منتجات تتكاثر، وابتكارات لا تكف عن مفاجأتنا وإبهارنا لدرجة السحر.. شيء يشبه الاختطاف لحواسنا.. وقتنا..طاقاتنا.. حياتنا..عن رضى واستسلام..!
عالم متجـــدد بطاقاته وإمكاناته وابهاره، ألا يستحق أن نحضره بوعينا بحقيقتنا كما نحن أو ببعضها دون خوف؟
بعيداً عن الجبن والتخفي، الذي يجعل البعض يوجه نصائحه ونقده، حتى شتائمه من خلف حجاب، وباسم مستعار كاذب وصورة تعريفية مسروقة أو مزورة! فيما هو يحدثك عن الدين والاخلاق والانصاف!
إلا أن الأسماء المستعرة والمعارة المستعارة، وبكل تجاربها القديمة، من المنتديات الصاخبة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، هي اليوم جزء منا، من واقعنا. حتى ولو صدمتنا بذاتها وقلة أدبها وبعض حقارة منطقها أو عباراتها.
أحياناً لا نريد أن نصدق ذلك، حيث تلك الصورة المثالية والنفاق الاجتماعي المعتاد، والفضيلة المتخيلة، تجعلنا نعتقد أو لا نريد تصديق حقيقة وجود هذا الغثاء المستهجن بيننا.
من المواضيع الدينية والثقافية للسياسية والرياضية وكل ما هو جدلي ستجد تلك الأصوات الصاخبة بكل قلة أدب تتوقعها، وخلف حجاب إلكتروني تصارع كل صوت مغاير، بينها كتائب إلكترونية مبرمجة وأخرى تابعة، وثالثة مقلدة، ويتبعها شلل «مدرعمه»، تحول كل مساحة حرة إلى معارك صوتية لا قانون أخلاقياً أو إنسانياً ذاتي يرعاها.
فالساحات الإلكترونية التي فتحت كل الإمكانيات للتعبير الفردي الحر، اتاحت أيضاً خياراً كاملاً لاختيار الشخصية الرقمية التي سيخرج بها الشخص للمجتمع الافتراضي، وهناك اختار بعض قليل شخصيتهم الاعتبارية، واختار الغالبية أسماء مستعارة اختفوا حولها، قبل أن يختار البعض الآخر نزع حجابهم والتوحد مع أنفسهم، لكن بقي آخرون في سجن حجابهم، في ظلمة ذلك الحجاب، لأن خروجهم منه إلى النور سيحرقهم، وتلك طريقة وحيدة لهم للبقاء، الاستمرار في الظلمة.
صحيح ان هناك استغلالا للأسماء المستعارة للتسويق التجاري أو للتضليل السياسي والاجتماعي المبرمج أيضاً، لكن لست اتحدث عن هذا النوع من التضليل والاختباء. اتحدث عن اختيار الفرد الحر بالحديث من خلف رمز رقمي إما بسبب الخوف أو النفاق الاجتماعي، أو هو الاختيار السهل لممارسة حرية التعبير لدرجة الاعتداء الفظ على الآخر واستخدام كل أساليب القذف الممكنة.
وتلك حكاية تتكرر ويعرفها الجميع، وللأسف مقدر لها ان تستمر بمستوى أو بآخر.
لكن أعود للسؤال الأهم، هل هؤلاء الوهميين والمحجبين يمثلون بعضا من مجتمعنا، أخلاقياته وثقافته وآدابه؟!.
الحقيقة الصادمة التي يجب أن نواجهها، أنها تمثل مجتمعنا، أو البعض الظاهر منه على الأقل.
فما يحدث في عالمنا الافتراضي هو مرآة لواقعنا، للبعض منه على الأقل، وهو أمر يجب ان نأخذه بجدية ودون تزويق أو خداع لتخيلتنا المثالية.
فهذا الصراخ والمستوى المتدني من الشتم والقذف والكذب والتزوير والسباب...الخ يجب أن نعترف به كجزء من ثقافة العامة للأسف.
والآن بعد أن فشلت جرعات الوعظ والإرشاد التقليدية والخطب العصماء والتلقين في التأديب والتهذيب، ورفع مستوى الآداب العامة اجتماعياً، ليس أمامنا إلا شوطاً واحداً طويلاً جداً، وخيارا مأمولا هو التربية والتعليم لجيل أو أكثر، خيار يمكن له رفع مستوى الذوق والآداب العامة فعليا على مستوى الافراد، ورفع مستوى الاحترام المتبادل في ثقافة الاختلاف.. شوط طويل لكنه ممكن هذا إذا بدأنا من الآن!.