قبل أيام خلت أعدمت السلطات الإيرانية شنقاً مهندسة الديكور ذات السبع والعشرين ربيعاً الشابة السنية المذهب ريحانة جباري، تهمتها أنها قتلت ضابط وزارة الاستخبارات الإيرانية مرتضي سارباندي،
تهمة نفتها ريحانة مراراً وتكراراً، مفيدة بأنه حاول اغتصابها ولكنها لم تقتله بل قتله غريم آخر لا تعرفه تصادف وجوده في وقت تعرضها للاغتصاب من قبل سارباندي. وقعت الحادثة في عام 2007 عندما كانت ريحانة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، وأودعت السجن لمدة سبعة أعوام قبل إعدامها، تعرضت خلالها لصنوف من أنواع التعذيب والقمع والإهانة والحبس الانفرادي لإرغامها بالاعتراف بجريمة لم تقترفها بل كانت هي نفسها ضحيتها، ولتزهق روحها في النهاية بدم بارد.
لم تكن ريحانة أول ضحية لنظام قمع الملالي في طهران ولن تكون الأخيرة، فالنظام قائم على قمع مُمنهج للسنة، قمعاً لم يستثن شيئاً من أنواع القمع والذل إلا واستخدمه، فقام بتغيير مسمى إقليم الأهواز العربي في شمال الخليج العربي إلى إقليم خوزستان الفارسي لمسح هويته العربية السنية، الأسماء العربية وخصوصاً ذات الدلالة التاريخية المزعومة من قبل متطرفي الفكر الشيعي الإيراني ممنوع على أهل السنة التسمي بها، المساجد لا يرخص لها إلا في أضيق الحدود في إقليم الأهواز، أما في العاصمة طهران التي يعيش فيها أكثر من أربعة ملايين سني من مجموع العشرة ملايين سني في إيران، فلا يوجد فيها حتى مسجد واحد يجمع أهل السنة للصلاة فيه في طهران.
قمع نظام الملالي في طهران يشمل كل من يعارضه حتى الشيعة، ونذكر القمع الذي تعرضت له مظاهرات ربيع طهران بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2009، والذي ظهرت للعيان قسوته ووحشيته من خلال صورة طالبة الفلسفة ندا آغا سلطان وهي تنزف دمها على قارعة الطريق وتلقي حتفها، بعد إطلاق النار عليها من قبل أحد أفراد الباسيج» قوات التعبئة الشعبية» التابعة للنظام، إعدام ريحانة ومقتل ندا دليل على أكذوبة الفرق بين ما يسمون بالمحافظين والإصلاحيين في إدارة دفة الحكم في إيران. وبأن الإصلاحيين الذين ينتمي لهم الرئيس حسن روحاني هم من دعاة الحرية والعدل والمساواة. التجارب أثبتت بأن الحكم في إيران هو حكم قمعي استبدادي بغض النظر عمن يحكم، وهذا يذكر بأكذوبة أخري يبدو أنها سياسة مستنسخة وهي بالفرق بين اليسار واليمين في الكيان الإسرائيلي، وبأن اليسار الإسرائيلي أكثر تفهماً لحقوق الفلسطينيين. ولكن الشواهد تؤكد بأن المحافظين والإصلاحيين في إيران. واليمين واليسار في إسرائيل ما هما إلا وجهين لعملة واحدة الأولى تخصصت وتفننت في قمع أهل السنة وكل من يعارض النظام، والثانية هي الأخرى تفننت في اضطهاد الفلسطينيين. تناغم وتشابه غريب له دلالته القوية تؤكد تفاهماً في الرؤى والإستراتيجيات بينهما بطريقة توزيع الأدوار التي تصب في النهاية بنتيجة واحدة وهي سفك الدم العربي. والإحصاءات تُشير بأن هناك أكثر من ألف شخص تم إعدامهم منذ أن تولى الرئيس الإصلاحي روحاني رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليسجل رقماً في عدد الإعدامات لا ينافسه فيه أحد، رقم يؤكد بأن ما يطلق عليه بالتيار الإصلاحي في إيران ليس إلا أكذوبة أصبحت لا تنطلي على أحد بما فيهم الإيرانيون أنفسهم. ومن يرفعون السلاح في وجه الحكومة الإيرانية يتم جلبهم إلى ساحات الإعدام ولا يمرون مطلقاً بالمحاكم، والشواهد جلية على ذلك فيما يخص أتباع منظمة جندالله السنية ومنظمة خلق الشيعية.
الغريب في الأمر أن القيادة الإيرانية ذات السجل الحافل بهدر حقوق الإنسان وبتاريخ مشين من القمع تجد في نفسها الجرأة والوقاحة بأن تطلب من المملكة عدم تنفيذ حكم الإعدام في نمر النمر الذي يبدو كمعتوه، لم يبُق إساءة أو تحريضاً ضد المملكة وقادتها إلا تفوه بها، ورفع السلاح في وجه رجال الأمن وقاومهم، ولو افترضنا بأنه في إيران وقال ما قال ضد قيادة الملالي في طهران وبرفع السلاح ضد الحكومة الإيرانية، فالحال يقول: إنه سيعدم قبل أن يمر من باب أي محكمة إيرانية، حيث لا حرمة ولا عصمة لدم، بل هي عصمة المرشد والملالي، لا غير. في المقابل، وبداية كانت قوات الأمن قادرة على إرداء النمر قتيلاً خلال مطاردته التي أصيب فيها، ولكن رجال الأمن الذين تعلموا على ضبط أنفسهم وتصرفاتهم تحت أقسى أنواع الضغط، متسلحين بقيم الدين وبحرمة الدم وبعدالة القضاء القوا القبض عليه وقدموا له أفضل أنواع الرعاية الطبية، ليقدم لمحاكمة عادلة، تتيح له أيضا حق استئناف الحكم. الدم كما هو لونه خطاً لا يهدر إلا بحق فى مملكة الإنسانية وبقضاء يتيح للمتهم كافة أنواع الاستئناف والتظلم، ولا يخضع لضغوط داخلية أو خارجية همها فقط هو إثارة الرأي العام في شأن داخلي.
علق من برلين عم ريحانة على إعدام ابنة شقيقته بأنها تعرضت «لاغتيال حكومي»، وأصيبت أمها المكلومة بهستيريا، وكتبت ريحانة رسالتها الأخيرة لأمها، والتي تمسكت فيها ببراءتها وبالظلم الذي لحق بها من قبل حكومة إيران وقضائها، جاء في الرسالة التالي:
«العالم لم يحبنا والآن استسلم لذلك وأحتضن الموت، لأنه في محكمة الله سوف أقوم باتهام المفتشين وسوف أتهم القاضي، وقضاة المحكمة العليا في البلاد، والذين ضربوني عندما كنت مستيقظة ولم يمتنعوا عن مضايقتي. في العالم الآخر، أنا وأنت من سيوجه التهم، وغيرنا هم المتهمون. دعينا لنرى ما يريده الله. أحبك»...