لم تكن جريمة الأحساء مجرد جريمة عابرة، وإنما هي جريمة إرهابية تستهدف تفتيت هذا المجتمع الآمن، وخلق صراع غير موجود بين طوائفه وقبائله ومناطقه، فكل ما يحدث حولنا شمالاً وجنوباً هي صراعات بين السنة والشيعة، بعد أن تنتفي قيم المواطنة، لأن من بين أسهل طرق تفكيك المجتمعات، وإشاعة الفوضى فيها، والاضطرابات والحروب، هي العبث على وتر الطائفية، التي يجب أن ينفيها ويرفضها كل مواطن غيور ومخلص يريد لوطنه مزيداً من الأمان والاستقرار والنمو المستمر.
في الليلة ذاتها، حدثت مواجهات عديدة، وفي مناطق مختلفة في المملكة، بين رجال الأمن البواسل، وبين مجموعات من الإرهابيين في شقراء والقصيم، استشهد خلالها رجلا أمن، وثلاثة إرهابيين، وتم القبض على ما يقارب عشرين منهم!
وحين تقدم القيادة ممثلة في وزير الداخلية وأمراء المناطق واجب العزاء، في القصيم والأحساء، فهي تؤكد بأنها تُعنى بالمواطن أياً كان مذهبه، أو منطقته، أو نسبه، أو مهنته، فلا فرق بين المواطنين السنة والشيعة، ولا فرق بين القصيم والأحساء، ولا فرق بين رجل أمن، استشهد على ثغر من ثغور الدين، وبين طلاب صغار أبرياء يقفون على باب حسينية في الأحساء، في ليلة عاشوراء... فهذه القيادة تدرك جيداً أن للجميع حقوق المواطنة، وأن للجميع حق العزاء والمواساة، وإن للجميع حق الحماية والأمان في وطنهم الكبير.
مهما تحاول دول الخارج، ومهما تفعل من تحريض ضعاف النفوس من الطائفتين، ومهما تدير من شبكات عريضة ومشبوهة في مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا المجتمع سيبقى متماسكاً -بإذن الله- ضد شرورهم، وسنبقى أخوة مخلصين ومحبين لأهلنا في الأحساء والقطيف، وسيبقون هم أخوتنا وأهلنا، يجمعنا وطن واحد، نسعى معاً إلى استقراره وازدهاره.
هذا التآخي والمؤازرة بين جميع أبناء هذا الوطن، بقبائله ومناطقه وطوائفه، هي مسؤولية الجميع من مختلف أبناء هذه القبائل والمناطق والطوائف، مسؤولية العلماء والمشايخ من الطائفتين، ومسؤولية الكتّاب والمثقفين من الطائفتين، فما لم يسعَ هؤلاء إلى تنوير المواطنين وتثقيفهم بكافة أطيافهم وطوائفهم، بقيمة المواطنة، واستقرار الوطن، ومخاطر التحريض والفتن التي تسعى لها أطراف مختلفة في الخارج، فقد يحدث ما لا تحمد عقباه، -لا سمح الله-.
يجب علينا جميعاً، أن ندرك حجم التحديات التي نواجهها، فما نعانيه من مشاكل في التعليم والتوظيف والصحة والإسكان، هي مشاكل عامة، يعاني منها الجميع، بعيداً عن التصنيف بطائفة أو منطقة معينة، وأسباب ذلك كثيرة منها الفساد الذي نعاني منه جميعاً، ونسعى إلى محاربته، وكذلك ازدياد النمو السكاني بمعدلات تفوق التوقعات، مما يجعل الخدمات تكون قاصرة، حتى مع التطور والنمو في كافة الميادين، ومع ذلك سيتجاوز الوطن بتوفيق الله وعزم مخلصيه كل أسباب هذا القصور.. ما أردت التأكيد عليه هنا، هو ألا يستغلنا البعض، بترويج أفكار كاذبة بأن هذه الطائفة أو المنطقة تعاني من التهميش في التوظيف والخدمات والمواطنة.
وكما نتقدم بالعزاء إلى أسرتي رجلي الأمن، شهيدي الواجب، النقيب محمد العنزي، والعريف تركي الرشيد، فإننا نتقدم بالعزاء والمواساة لذوي الأطفال الشهداء وعائلاتهم الكريمة في الأحساء، رحم الله جميع أبناء الوطن، وأسكنهم فسيح جناته.