أشار معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس في تصريحات نقلتها الصحف المحلية إلى أنه «بإذن الله تقر الأعين برؤية جامعة الحرمين الشريفين التي يتطلع إليها ولاة الأمر وفقهم الله، وذلك بإذن الله قريباً». جاء ذلك في مناسبة زيارته لمعهد الحرم المكي، وثنائه على أداء المعهد والقائمين عليه.
يبدو أن عملية تأسيس جامعة أصبحت طموحاً لبعض الجهات في القطاع الخاص والحكومي، وكأن تأسيس الجامعة عملية سهلة المنال ويكفي حيازة قيادات القطاع على ألقاب أكاديمية ليكونوا مؤهلين لتأسيسها، بالرغم من مشاغلهم الإدارية الأخرى، أو كأن الجامعة هي الإنجاز الذي سيرفع سمعة الجهة وأسهمها في مختلف الأوساط. لا أريد أن أقول بأن الخلط بين الطموح الشخصي الأكاديمي وبين معرفة حدود مهام المؤسسة التي يديرها الشخص هي الدافع لمثل ما قاله معالي رئيس شؤون الحرمين الشريفين.. رغم أن معاليه لم يوضح، هل يريد جامعة الحرمين بإشراف وإدارة رئاسة الحرمين الشريفين، أم أنه مجرد يقترح الاسم لجامعة جديدة تابعة لوزارة التعليم العالي - التي لم تعلق على الموضوع - ولا علاقة لشؤون الحرمين بإدارتها وتأسيسها من قريب أو بعيد؟
لست أعترض هنا على الجدوى الأكاديمية لجامعة متخصصة في العلوم الشرعية واللغوية، فذلك يحتاج مساحة أكبر مما يحتمله المقال.. لكن بالنظر إلى تجربتنا السابقة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، نجدها تحاول تجاوز تخصصها اللا هوتي لتصبح جامعة عامة في تخصصاتها العلمية والهندسية والصحية، وإن احتفظت باسمها القديم. جميع جامعاتنا - باستثناء جامعتي البترول والحرس الوطني - تحوي أقساماً شرعية ولغوية ومن ضمنها جامعة أم القرى الأقرب للحرم المكي الشريف.. ولا بأس من زيادة أقسام الدراسات الإسلامية بالجامعات القائمة إن ثبتت الحاجة إلى مزيد من خريجيها.
بعض الجهات أسست كليات أو جامعات تابعة لها بحجة محاولة تغطية احتياجاتها من القوى العاملة وطبيعتها التخصصية، لكن ليس الوضع كذلك بالنسبة لرئاسة الحرمين الشريفين حيث التوظيف لديها محدود جداً وفي تخصصات يسهل تغطيتها من قبل الجامعات القائمة.
الحرمان قبلة أفئدة المسلمين من كافة الأطياف والمذاهب والجنسيات، وحينما تستحدث جامعة باسم الحرمين، فهذا يعني أن تكون جامعة منفتحة على جميع تلك المذاهب والطوائف، فهل يمكن حدوث ذلك؟.. أم تكون جامعة محلية محل انتقاد العالم الإسلامي، الذي ينظر للحرمين نظرة تقديس مختلفة، ومصدر إساءة للفكر الإسلامي بالمملكة العربية السعودية؟
رئاسة الحرمين الشريفين مهامها محدودة في الإشراف على الحرمين الشريفين وإدارتهما اليومية، بالتنسيق مع الجهات الأخرى، ويجب أن لا تشتت جهودها ويتم إدخالها في مجالات تتجاوز مهامها الأساسية.. ليست من مهامها الدعوة بمفهومها الوظيفي الأممي وليس من مهامها تطوير القوى العاملة في المجالات الشرعية، كذلك.. الحرمان ليسا مثل أي مسجد آخر، بل لهما خصوصيتهما التي لا نريد أن تشوهها مشاريع غير ناضجة بما فيه الكفاية.
يُوجد في رئاسة الحرمين أساتذة أجلاء، يمكن استقطابهم من جامعة أم القرى والجامعة الإسلامية لممارسة المهام التعليمية والبحثية.. أما في حالة احتياج رئاسة الحرمين لأبحاث في مجالات محددة، فيمكنها كذلك الاستعانة بالجامعات للتعاون معها في هذا المجال، وكل يتشرف بخدمة الحرمين في مجال البحث العلمي وغيره من المجالات.
ليعذرني معالي رئيس شؤون الحرمين على مباشرتي في معارضة فكرته؛ تأسيس جامعة الحرمين ربما تكون فكرة عاطفية ليست عملية وعلينا أن نخرج من عباءة تقليد بعض الجامعات - المشاريع الإسلامية سواء حملت ذات المسمى ذاته أو غيره.