صالح الصقعبي في قصصه «البحث عن أنف»:
• عنصر السرد في هذه القصص يعتمد على الإلماح
• لغة السرد تذهب إلى بناء مفردة أدبية ورؤية فلسفية
يستهل القاص صالح الصقعبي مجموعته القصصية الجديدة «البحث عن أنف» بإيماء حكائي يلتقط مفردة الحياة، ليصوغ منها أبعادا إنسانية وصورا جمالية وملامح تأثيرية، تجسد الرغبة في أن تكون هذه المشاهد اليومية فعلا سرديا يحقق معادلة المتعة والفائدة.
فبعد تلويحة الدخول ترتسم معالم حكاية ابن الأرض ومعاناته التي قد تؤدي فيه إلى حفر عميقة ودهاليز معتمة من تيه الحالة وفقدان الأمل، ليجعل بوابتها أو عنوانها «على شأن الجمهور» حينما يطلع بعض المجتمع على شيء من حياته وتصرفاته، ليعاقب بعدة سياط في الميدان العام وعلى الملأ، لتنكسر في هذا المشهد بقايا هيبة هشة كان يداريها، فتتهاوى جميع الاحتمالات ببرئه من أسقام الذات والناس.
قصص هذه المجموعة تميل في مضمونها العام إلى التقاط صور اجتماعية سريعة دون إطالة في الوصف، فيأخذ القاص الصقعبي من القضية لبها أو خلاصتها، ليقدمها للقارئ دون عرض للأسباب رغبة في الابتعاد عن الإطالة والحشو مما يجعل القارئ لقصصه مستمتعا في العرض، ومستخلصا العبرة التي تتراءى من خلف النص وفعاليات السرد لهذه الحكايات المعبرة عن الإنسان الذي يعاني أوجاع الزمن وقسوة الحياة، وتطاول همومه.
فعنصر السرد في هذه القصص يعتمد على الإلماح وتوظيف الصورة وكأنها لقطة تعاجل الهدف وتقتنصه بأسلوب شيق ولغة متمكنة وحرص شديد على انتقاء مفردة السرد التي تبني وجودها في الذائقة كما ورد في القصة الثانية من المجموعة «هي والسيف الخشبي»..
فقد سعى الراوي في هذه القصة إلى تصوير مشهد أليم توقع بقاء أصدائه لمدى بعيد، حيث لا يزال أبطال هذه القصة يتجرعون غصة موقف حادث وقع لهم فكانت أدوات السرد حاذقة حينما ارتسمت تفاصيل معاناة عام كامل بعد حادثة الاعتداء على رجل وزوجته في رحلة سياحية، فالشاهد الفني هنا أن الكاتب عالج الموقف بأسلوب رشيق يؤكد أن الحياة ماضية بحلوها ومرها وما علينا إلا الصبر وسيكلؤنا الزمن بعنايته وستمسح الذاكرة بعض الآلام، رغم أنها ستبقي على ندبات هنا وهناك، تموت مع الكثير من الأحلام، وتتلاشى مع قصص تتفلت من الذاكرة.
وحينما نتأمل قصة « البحث عن أنف» التي حملت اسم المجموعة نخرج برؤية تستشرف الإجابات عن أسئلة ملحة يستهل فيها القاص نصه حينما يشير إلى أن هناك حالة فلسفية ما تتجسد في كيان الإنسان لتصنع منه أمثولة معنوية توازي كيانه الذي يتشكل وفق هذه النظرة الوجدانية الأليمة، لتضع النص على هيئة باعث وجدني لمآل الشخصية المحورية إلى شيء يقارب حالة الجنون والهذيان التي لم يعد معها مدركا لتفاصيل الحياة.
حيز الزمان في هذه القصص يتكئ على هالة من تداعي الذكريات التي تكون هذه المشاهد التي يستعرضها الكاتب الصقعبي بشكل أنيق، ليجعل من الزمن حالة جمالية نستدعي من خلالها أزمانا مضت لينتج للقارئ مضمون حكاية متميز على نحو قصة « ثاقب النظر مات» حينما يقارب في فضاء زماني يتدرج من حياة الشخصية حينما كان طفلا ومن ثم يافعا فرجلا يرتوي بالحكمة والنظرة الصائبة حتى موته، ليُخَلِّف في هذه الدائرة الوجدانية الكبيرة العديد من الأسئلة المثيرة حول شخصيته وكيف استطاع أن يبني له مكانة بعد رحيله؟!
لغة السرد في هذه المجموعة تذهب إلى بناء مفردة أدبية ورؤية فلسفية للوقائع والأحداث، حتى إنك ترى أن الراوي لكل حكاية أو قصة غالبا ما يكون محملا بالوعي، ومثقلا بلغة تروم حالة الاستقصاء الفكري لهذه الشخصيات التي تنبني من رحم المعاناة، حيث تتجسد هذه الصور بين مفارقة وأخرى لتسجل مشاهد غاية في البساطة لكنها تلتقط خطابا تنويريا لمآل الحياة من حالة إلى أخرى.
بيئة النصوص في هذا العمل تنطلق من فكرة الحياة المعاصرة .. تلك التي تتحول بشكل عجيب، وتتلون مع الزمن نظرا لما تواجهه من قسوة وتجارب معاندة ليظل الشخوص أوفياء إلى بيئتهم البسيطة وحياتهم العادية، إلا أن الكاتب الصقعبي يستطيع في كل قصة أن يستنهض صورة العناء اليوم ولا ينسى أن يعاند ويقاوم على نحو ما شهدته هذه الشخصيات حينما ظلت وعلى مدى السرد مضطلعة بتفاصيل حياته وقادرة على شرح تفاصيل الحكاية كاملة غير منقوصة.
إشارة:
• البحث عن أنف قصص
• صالح الصقعبي
• الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي ـ القاهرة 2014م
• تقع المجموعة في نحو (154صفحة) من القطع المتوسط