حِرَاكٌ مُتواصل .. ولقاءات متعددة..!

لقد طوَّق حبل الفجيعة خليجنا الآمن، وجعله قاب قوسين، أو أدنى من حمامات الدماء، ودرك الشقاء. وحق لذوي الشأن فيه أن يضطربوا، وألا يُلاموا على اضطرابهم. فكل الأعداء كشروا عن أنيابهم، ورمونا عن قوس واحدة.

وأصحاب المصالح، من دول الاستكبار، قلبوا لنا ظهر المجن. ولم يعبؤوا بأي واد هلك أمْننا، وتشظت مصالحنا، واندلقت أقتاب مثمناتنا.

ولم يبق أمام خطواتنا المتعثرة إلا عُنُقُ الزجاجة، وسَمُّ الخياط. وهو معبر ملغم، يتطلب الدقة، والحذر، وأخذ الاحتياطات كافة، وتصفية الخلافات والتعاضد لاجتياز المسيرة إلى بر الأمان.

سفينة الخليج وسط أمواج [سونامية]، ولكي يبلغ بها قادة الخليج شاطئ السلام، لا بد من توحيد الصف، والهدف، والكلمة، وتصفية الخلافات العارضة.

والدسائس التي سربها الهمازون المشاؤون بالنمائم، لعبت لعبتها، وفَتَّتْ في عضد قادتنا، ولكنها -ورب ضارة نافعة- أيقظت فيهم كوامن الإباء، والأنفة، وقعرت رؤيتهم فيما حولهم، وأبانت لهم قصد السبيل، وبنيات الطريق، وأدركتهم قبل أن يدقوا بينهم عطر منشم.

في اللحظات الحاسمة كانت الهَبَّة الموفقة، وكان التصرف الحكيم، وكانت الفرصة النادرة التي ابتدرها قادة الخليج، مستلهمين مقولة الشاعر:

بَادِرْ الفُرصَةَ واحْذَر فَوْتَها

فَبلوغُ العِزِّ في نَيْل الفُرَص

وابْتَدِر مَسْعاك واعْلَم أَنَّ مَنْ

بَادَرَ الصَّيْدَ مَعَ الفَجْرِ قَنَص

لقد كان [لقاء الرياض] بين قادة الخليج من المبشرات. ومع أننا لم نقنط من رحمة الله، إلا أن تلاحق الترديات، وانبعاث الفتن، واستحكام حلقاتها، أخاف الخليجيين، وحبس أنفاسهم، فكان هذا اللقاء الميمون عناية ربانية، تداركت الخليج بكل ما يعج به من خيرات، وتلاحم. وشَفت صدور أبنائه، وذلك حين هب قادتهم، وبادروا فحيح الأفاعي في جحورها.

لقد كنا ولما نزل نعلق كل آمالنا، وكل تطلعاتنا على رجل الملمات، وصاحب المبادرات [خادم الحرمين الشريفين]. ومن ثم لم نفاجأ بما طالعتنا به وسائل الإعلام، وهي ترصد بالصوت والصورة تتابع وصول قادة الخليج إلى [الرياض]، وانتقالهم من المطار إلى المائدة المستديرة، التي يتصدرها رجل المبادرات، والمفاجآت السَّارة.

كما لم نفاجأ بالقرارات المصيرية التي تمخضت عنها تلك القمة الاستثنائية الخاطفة، التي تسبق القمة العادية في [دولة قطر]، فالخليجيون مصيرهم واحد، وهمّهم واحد.

لقد صُفِّيت كل الخلافات، وقطع دابر التنازع، وسويت كل القضايا المعلقة، وأعيد السفراء، كدليل على النوايا الحسنة.

وخاب، وخسر هنالك المبطلون، الذين زرعوا الفتنة، وأشاعوا قالة السوء، وفرقوا بين الأخ وأخيه.

وجاء اهتمام وسائل الإعلام العالمية بهذه النتائج الإيجابية المخيبة لآمال الحاقدين، وتطلعات المغرضين، ورهانات أعداء الخليج، مؤكداً أن الخليج لما يزل بأيد أمينة.

والخليج بإرادته الحرة، ومبادراته الحكيمة، وتصرفاته الذكية، قطع الطريق أمام الأعداء، الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وأصروا على تصدير أخلاقيات الانقلابات الدموية، وتسييس الطائفيات المتناحرة، وإشاعة التطرف، وسِحْر أعين الناس.

جاء [لقاء الرياض] الخاطف كعصا [موسى] التي تَلَقَّفَتْ كل حبال الأعداء وعصيهم، وخيبت آمالهم، وأفشلت رهاناتهم.

فالخليج لحمة واحدة، ومصير واحد، ولا يمكن أن يمضي أبناؤه وراء الوعود الزائفة، والكلمات المعسولة، والطرق المعوجة.

لقد شاهد الخليجيون ما يجري من حولهم، ووقفوا على الجرائم الوحشية، والعدوان الآثم على الأنفس، والأموال، والمحارم، والأمن، والاستقرار. ولا أقل من أن يوعظوا بغيرهم.

ولن يكونوا -وقد وعوا الدرس- ألعوبة للخائنين. ومن ثم هبوا جميعا لمباركة تلك الخطوة المسددة. الخطوة التي تجاوزت بهم بؤر التوتر، ومراتع الفتن، وهم ماضون إلى ما هو أحسن، ولا سيما أن قرارات القمة باشر القادة تنفيذها، ولم يماطل أي من الزعماء في شيء منها، لأنها وليدة تجارب، ونتائج تداول، وقرارات تَوافُق، لا إكراه فيها.

لقد جمجموا عما في نفوس المواطنين المسالمين في خليج العطاء والنماء، وحققوا تطلعاتهم، وشفوا أنفسهم، وخيبوا آمال الأعداء، وردوا كيدهم في نحورهم.

هذه التصفية السريعة لمجمل الخلافات العالقة، والمفتعلة، سيمتد أَثُرها الحسن إلى الدول العربية الكبرى، التي تمثل عمقاً [استراتيجياً] مُهِماً للخليج.

فـ[مصر] بكل ما تملك من أعماق، سيعود صفاؤها، واصطفاؤها، وستكون رِدْءاً لمصالحنا المصيرية. الذين يسارعون في الشر، سيجدون الأبواب موصدة في وجوههم.

بقي أن يواصل زعماء الخليج عملهم الإنساني، لتصفية الخلافات بين دول المنطقة، والتقريب بين وجهات النظر، وإيقاف النزيف، والاستنزاف في مشرقنا العربي. فالشعوب العربية برمت من الفتن، وضاقت ذرعاً بالفوضى الهدامة، ولسان حالها يردد:

إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما

وَهَذي الضَجَّة الكُبرى عَلاما

وَفيمَ يَكيدُ بعضُكُمُ لِبَعض

وَتُبدونَ العَداوةَ والخِصاما

ومن بواد الخير تمثيل ولي العهد للملكة في [قمة العشرين]، وعودته بحزمة من القرارات السارة.

ونجاح مهام وزير الخارجية في [روسيا] وتركيز لقائه على الإرهاب والوضع السوري.

وزيارة وزير الحرس الوطني لـ[الولايات المتحدة الأمريكية] ولقاءاته المتعددة مع كبار المسؤولين، وإبرامه صفقات عسكرية.

هذه الجولات [المكوكية] المحسوبة بكل دقة، لم تكن اعتباطاً، ولا ترفاً. إنها تمهيد لبدء عهد جديد، يجبر الكسر، ويقيل العثرة، ويوقف التدهور.

وفي النهاية..

لا يسع المواطن الخليجي، والمواطن السعودي على وجه الخصوص، إلا أن يتوجه إلى قادته الأوفياء بالشكر، والثناء، وصادق الدعاء، فالساعات الحرجة لا يبادرها إلا الحكماء.