يقول الرسول الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولو تدبّر كل إنسان هذا الحديث النبوي الشريف ومافيه من دلالات، لما قصر في عمل يوكل إليه؛ لأن إتقانه للعمل - علاوة على أنه واجب وأمانه ملقاة عليه - هو مدعاة لمحبة الله - سبحانه وتعالى - لهذا العامل مهما صغر أو علا شأنه.
وأداء العمل من جميع العاملين ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً متفاوت ومتباين بين الأداء الحسن والأداء السلبي، وتتضاعف المسؤولية، ويعظم الأجر أو الإثم حينما يكون هذا العمل مرتبطاً بمصالح الناس حينما يسهم الموظف أو العامل من خلال تقصيره وتقاعسه في تأخير حقوق الناس ومتطلباتهم.
والموظف المجد المجتهد يجب ألا ينتظر الثناء والشكر من المسؤول، وإن كان حقاً على الأخير، فالموظف يحتسب في أداء عمله أن يكون خالصاً لوجه الله - عز وجل - ينتظر منه الأجر، ويبتغي المثوبة وفقاً لما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وإذا كان بعض المسؤولين فيهم من السلبية في تقدير الموظفين المجدين في أعمالهم فإن ذلك يتساوى في الدرجة مع الموظفين المقصرين، وهذا مخالف لتأصيل إسلامي في مقابلة الإحسان بالإحسان يقول الحق - تبارك وتعالى -: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن، فلابد أن يكون المسؤول قدوة للعاملين أداءً وتقويماً وتقديراً.
والعمل الذي يكدح فيه الإنسان، ويطلب فيه الرزق هو نوع من أنواع العبادة لله - عز وجل - وإن كان فيه سعي لحاجة الإنسان، وطالما أن العمل عبادة، ويعتقد البعض أن الالتزام بتعاليم الدين الحنيف هو الاقتصار على أداء الفرائض فقط دون أداء العمل والالتزام به وقتاً وأداءً، ولاشك أن الالتزام بأداء الفرائض أمر واجب، فالمعاملات بوجه عام، ومنها العمل واجب أن يؤدى على أتم وجه، فلا يقصر فيه، ولا يغلب فيه الهوى على الحق، ولا تعطل مصالح الناس أو تأخر.
والعاملون في كل مجال ينقسمون إلى نوعين: النوع الأول: هو الذي يقوم بعمله الموكل إليه ليأخذ نتيجة أو راتبه حسب نظام معين، وفي دوام معين، وفي كيفية معينة، ولا ينظر للأفق الأبعد من منظومة العمل، بل يعرف أن عليه ساعات يجب أن تقضى، ولحظات يجب أن تمضي، وراتب يجب أن يعطى.
والنوع الآخر: هو الذي يعمل، ولكنه لا يعرف الكلل، ينتج ولا يحسب الساعات، يعطي ولا ينتظر الثناء والشكر، يجند كل قواه وطاقاته لإنجاح عمله والتفاني فيه، وليس هذا فحسب، بل يحاول الإبداع بعمله للوصول به إلى أرقى درجات الإنجاز والإثمار، فهو يسير بعمله، ويتدرج، ويرتقي بمستوى العمل من جيد إلى أفضل، ومن رائع إلى أروع، وبه تتطور الحياة وترتقي.
وقد يقول قائل: أين المقصرون والخاملون والمثبطون لم يتم تصنيفهم من بين أنواع العاملين؟ فأقول: هؤلاء ليسوا بعاملين، وإن كانوا ضمن منظومة العمل، ويتقاضون أجوراً، وأسماؤهم مدرجة في سجلات العمل إلا أنهم كالحنظلة التي تنبت في ضفاف المزرعة ذات الأشجار اليانعة، أخذوا خيراً من الحقل، ويتغذون بالماء كما تتغذى الأشجار الأخرى لكنها - أي الحنظلة - لا تعطي ثمراً، بل لربما ضايقت الزروع المنتجة في مائها وتربتها، ولربما نقلت إليها الأوبئة!.