البشت أو ما يسمى بالمشلح تقليد شائع في منطقة الخليج. يرتديه غالباً كبار السن والأمراء والمشايخ والوجهاء. تحول لتقليد رسمي فلا يظهر صاحب سلطة أو مركز وظيفي في أي مناسبة إلا وقد تدثر به حتى أن البعض لا ينفك منه إلا في وقت النوم. تعدى الأمر إلى أن يعتبر البعض ظهوره بدون بشت أمام الناس معيبا ونقيصة في حق نفسه. البشت تحول مع الزمن إلى ثقافة غريبة وحتى لو أراد المسؤول التخلص منه فلن يسلم من ألسنة المنتقدين. أذكر قبل سنوات كنت في مناسبة رسمية ولأني من النوع الذي لا يلبس البشت إلا في مناسبات معدودة جداً لاعتبارات كثيرة منها على الأقل أني أحب دائماً المرونة في الحركة وأحس أن البشت يكبلني، فقد سألني راعي المناسبة وأنا أسير بجانبه «وين بشتك يا دكتور؟» فرديت عليه والله أنا ما أحب ألبس البشت، وبعدين طال عمرك متى تتوقع نتخلص من البشوت اللي أثقلت حركتنا ومنحت مكانة لمن لا يستحقون؟.. قال لي والله أني أشاطرك الرأي أتمنى على الأقل أن نخفف منه.
بعد سنوات من هذا الكلام ظهر أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز وفي أكثر من موقع حاشد خلال إقامة دورة الخليج بدون بشت يتحرك وسط الجموع بكل أريحية. التفسيرات التي ظهرت في حينها أن هذا السلوك يدل على تواضع الأمير في حين رأى آخرون في ذلك بداية لمتغير جديد يتمازج فيه الجميع, وتطلع لأن تسود مثل هذه الثقافة الجديدة والتي لقيت استحسانا كبيراً وخاصة أنها قد جاءت من شخص مسئول وفي مناسبات رسمية لا يجوز فيها حسب الثقافة السائدة ظهور شخصيات بهذا الحجم دون بشوت. ربما ليست المرة الأولى لظهور شخصية دون بشت فقد فعلها قبل ذلك الملك عبدالله يحفظه الله وولي العهد وكثير من الأمراء ولكن في مناسبات غير رسمية، أو في حفلات عشاء لا يسمح الوضع فيها بارتداء المشالح؛ ربما أجد العذر لمسؤول كبير في ظهوره الرسمي في أبهى حله تماشيا مع الرسميات، لكن الأمر امتد حتى لصغار المسؤولين وحتى لأشخاص ليس لهم أي صفات اعتبارية إذ أن البشت أصبح بالنسبة لهم جواز مرور يمنحهم مكانة أكبر فدفع بهم إلى مقدمة الصفوف تاركين مقاعدهم الخلفية لمن هم أحق بالحضور.
أذكر أن أحد المنظمين قد طلب من شخص معروف في الوسط الأكاديمي مدعو لإلقاء كلمة في مناسبة كبيرة الرجوع للجلوس في المقاعد الخلفية والسبب أن الأكاديمي لا يرتدي بشت وفي عرف هذه المنظم والذي اكتسبه من الثقافة السائدة أن المقاعد توزع حسب المظهر لا المخبر، وأذكر قبل سنوات دعيت لحفل زواج وعند بوابة القصر فوجئت بأحد المستخدمين بمقر عملي يرتدي البشت وقد أخذ طريقه بين الجموع إلى أن استقر في الصدارة بينما بقينا نحن في أطراف المجلس مع ثلة من الزملاء آثروا الخروج عن النمط الرسمي. كثيرون يستغلون البشت عند مراجعتهم للدوائر الرسمية كنوع من رفع قيمتهم لدى الموظفين لينجزوا أعمالهم قبل الناس أو ليحضوا بمقابلة المسؤول الكبير.
لعل ظهور بعض الشخصيات متخلين عن مشالحهم يكون سبباً في تغيير ثقافة سائدة أدت إلى رفع أشخاص وخفض آخرين رغم أننا نملك وسائل للتعرف على الشخصيات بسهولة.