بعض الناس يحرصون على تفسير الأمور وفق أهوائهم ووفق ما تميل إليه نفوسهم ويصب في تحقيق رغباتهم وخدمة مصالحهم، والبعض الآخر لا يؤمن بالأنظمة والقوانين من الأساس ولا يعترف بها ويضرب بها عرض الحائط ويبذل جهده لمحاربتها وآخرون ينظرون بأن هذه الأنظمة والقوانين عبارة عن اجتهادات
قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة ويبدون رأيهم فيها، وعلى الرغم من عدم قناعتهم بها فإنهم يحترمونها ويلتزمون بها ولا يسعون لمخالفتها وتحريض الآخرين لتجاوزها، وآخرون يؤمنون بتطبيق الأنظمة على فئة ما في حين يتجاهلون تطبيقها على فئات أخرى.
يعاني وطننا من وجود العديد من القضايا التي ما زالت عالقة ولم يتم حسمها وسبب ذلك وجود اختلاف في تفسير الأنظمة والقوانين التي تحكم تلك القضايا، وفي إطار حرص البعض على حسم تلك القضايا فإنهم يلجأون لاتِّخاذ مواقف مُعيَّنة ظنًا منهم بأن مثل هذه المواقف ستسهم في حسم القضية أو أنها ستكون مؤثِّرة على أصحاب القرار أو أنها ستشكّل ورقة ضغط عليهم وخصوصًا إن قامت وسائل الإعلام الدوليَّة بنشر ذلك الموقف والترويج له وإظهار صاحبه بأنّه مناضل وناشط.
هذا الأسبوع قامت سيدة سعودية بمحاولة كسر قانون منع قيادة المرأة للسيارة في السعوديَّة واتجهت من الإمارات إلى المملكة بسيارتها وهي تحمل رخصة قيادة إماراتية وجوازًا سعوديًا وقد حرصت على نشر بعض التغريدات خلال سيرها التي تصف ما حدث لها خلال هذه المحاولة موضحة الفرق بين مرورها على الجمارك الإماراتية ووقوفها عند الجمارك السعوديَّة بمنفذ البطحاء التي لم تسمح لها بالدخول وهي تقود السيارة، مشيرة إلى أن محاولتها هذه تأتي في إطار تفعيل حملة قيادة المرأة للسيارة في المملكة.
هذا الموقف تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف الآراء والتوجُّهات كما تداولته وسائل الإعلام العالميَّة مذكرة بالحملة السابقة في 26 أكتوبر التي دعت فيها السيدات للخروج لقيادة السيارة وذلك على الرغم من قيام المتحدث الأمني بوزارة الداخليَّة قبل قرابة شهرين بالتأكيد بأن وزارة الداخليَّة ستُطبّق الأنظمة بحزم بحق كل من يسهم وبأي أسلوب في أيّ أعمال أو أفعال تُؤدِّي إلى توفير الفرصة للمتربصين للنيل من اللحمة الاجتماعيَّة وبث الفرقة وتصنيف المجتمع.
لا يوجد اليوم في مجتمعنا موضوع أكثر إثارة للجدل والنقاش مثل موضوع قيادة المرأة للسيارة فيكفي أن تطرح هذا الموضوع في مجلس ما لترى حجم الخلاف الذي يظهر بين مختلف فئات المجتمع فالشرعي له وجهة نظر والاجتماعي له رأي والاقتصادي كذلك والمرأة لها رأي والرجل له رأي والصغير والكبير لهما آراء متفاوتة ولكن هل مثل هذا التصرف من هذه السيدة سيسهم في السماح للمرأة بقيادة السيارة؟ هل الظهور بهذا المظهر أمام المجتمع سيجعل الجهات الرسمية توافق على قيادة المرأة للسيارة؟ هل الإصرار على كسر نظام واضح سيسهم في حل القضية؟
ليس المقام هنا لرفض أو تأييد قيادة المرأة للسيارة فشخصيًّا أنا على قناعة ويقين بأنه سيسمح للمرأة بالقيادة في المملكة في يوم ما، وسيسهم هذا الأمر في حسم هذه القضية ووقف الجدل الخاص اليوم، ولكننا لا نتحدث هنا عن حرية فردية ولا عن اجتهاد في تفسير وتأويل أنظمة وفق أهواء البعض ولا نتحدث عن آليات أو لوائح تنفيذية يمكن أن يكون فيها وجهات نظر مختلفة بل نتحدث عن مخالفة صريحة وواضحة لقوانين وأنظمة وتحذيرات من وزارة الداخليَّة بمنع قيادة المرأة للسيارة سواءً كان هناك قناعة بهذه الأنظمة أو لم تكن، وفي الظهور بمظهر المتحدي للدولة ولنظامها في سبيل إثبات رأي بشأن قضية أبدت الجهات الرسمية رأيها فيها وأكَّدت بأنها لن تسمح بها ومع ذلك نجد من يصر على مخالفة هذه الأنظمة وتجاوزها على الرغم من أنه يحترم تطبيق الأنظمة والقوانين في الدول الأخرى.