توجه الدعوة عبر معظم المنابر وخاصة الدينية والإعلامية لضبط المصروفات وعدم الإسراف لأنه سلوك مشين ينهى عنه الدين وتستهجنه العقول السوية. الإسراف ضرب من ضروب المبالغة، سواء كان في اللبس أو الأكل والشرب أو في استخدام الخدمات الضرورية مثل المياه والكهرباء والهاتف. ربما يقتصر هذا الأمر على الصعيد الفردي وقد يتعداه إلى الجماعي، قال تعالى {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
في المقابل نغض الطرف عن أنواع من المبالغات والإسراف الممجوج المصاحب لإقامة مهرجانات وحفلات، والأكثر وجعا وإيلاما حين تكون تلك المناسبات ثابتة تتكرر كل سنة ويكون الإسراف طابعها الطاغي على كل شيء. تقام الفعاليات المنوعة والمبهجة لمن يرتادونها لكن بإسراف قد يصل إلى حد التبذير ويفسد في النهاية كل شيء.
مهرجان أم رقيبة لمزاين الإبل الذي انطلق في نهاية شهر محرم الماضي ويستمر لأسابيع مقبلة ارتبط في ذهنية الكثيرين بمظاهر الإسراف الطاغية على فعالياته، وربما أدى هذا السلوك إلى رمي الفائض من الأطعمة في الصحراء كما شاهدنا تلك الصور والمقاطع التي تحكي واقعا مريرا لا بد من تصحيحه، فائض الطعام يكفي دون مبالغة لإعاشة قرية كاملة ليوم واحد.
يعتقد البعض وخاصة من المتحمسين للمهرجان أننا حين ننتقده فإنما نقف ضده، ونحرض الناس لمقاطعته! الواقع غير ذلك تماما بالنسبة لي على الأقل وربما يشاركني البعض الرأي لا أتفق مع من يربط إقامة مثل هذا المهرجان بالتخلف لمجرد الاهتمام بالإبل وهي التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم في سورة الغاشية بقوله جل من قائل: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}. قال المفسرون في هذه الآية الكريمة إشارة إلى خلقها العجيب وقوتها وشدتها وعظيم نفعها للإنسان وسهولة انقيادها له.
في هذه الحالة فالإبل ليست مظهرا للتخلف كما يذهب البعض من المعارضين، بل هي جزء من تاريخ طويل لابن هذه الصحراء منذ القدم ومن يوم كانت سفينة الصحراء ووسيلة العربي في الحياة رغم صعوبتها، وهي بالنسبة له رأس مال وثروة ومعين على قسوة ومشاق الدنيا، فلا أقل أن يكون لها مهرجان سنوي يحفظ تاريخها ويعزز من سوقها ورواجها ويساعد ملاكها على الدخول في مزادات ترفع من مستويات دخولهم، وخاصة إذا كانت المزادات معقولة وبعيدة عن المبالغات وضمن طرق تعامل صحيحة لا لبس فيها، ولا يمنع أن يرافق المهرجان احتفالات ومناسبات مبسطة وجلسات شعرية.
أغلب الأمم لديهم احتفالات قريبة من هذا النوع من أجل الاهتمام بتراثهم والمحافظة عليه ونقله للأجيال القادمة.
نسمع بمهرجانات الأبقار ومنتجاتها في هولندا ويرافقها مهرجانات الزهور، وأيضا هناك مهرجانات وسباقات للخيول، ووصلت الأمور لمهرجانات للحمام وغيرها من الطيور، ومهرجانات لأنواع من الأغنام والتيوس وغيرها من الحيوانات, لكن أغلب هذه المهرجانات وبالذات في الدول الغربية على كثرتها تتسم بالبساطة والبعد عن التكلف أو توظيفها لإثارة تفاخر ونعرات، بل هي سبيل لتحقيق تكاتف ووحدة وتقارب.
لو درست سلبيات مزاين أم رقيبة ليقدم بسيطا وبأقل التكاليف بعيدا عن الإسراف والمبالغات والتفاخر، أعتقد أنه سيحظى بتأييد الأغلبية وفي مقدمتهم من يصفونه بالتخلف.