قبل أيام أعلنت المحكمة المصرية، التي تحاكم الرئيس السابق لمصر حسني مبارك، تبرئته من التهمة التي كان يُحاكم عليها. وكانت تلك المحكمة نفسها قد حكمت عليه قبل سنتين بالسجن المُؤبَّد. على أننا نعيش في زمن العجائب. ومن ذلك كما ذكرت في الأسبوع الماضي أن أمريكا - وهي في مقدَّمة أعداء
أُمَّتنا - قد ادَّعت - وما زالت تَدَّعي - أنها تحارب الإرهاب وهي ترتَّكب أبشع صوره.
وقبل أربع سنوات صرَّحت وزيرة خارجية أمريكا بأنه لا بُدَّ من إيجاد فوضى خَلاَّقة كي تَتَحسَّن أوضاع منطقتنا العربية. وما عُهِد أن الفوضى خَلاَّقة مُحسِّنة للأوضاع. بل إن الفوضى دائماً هَدَّامة. وقد قال أحد شعراء أُمَّتنا العربية قبل ألِف عام:
لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم
ولا سُراة إذا جُهَّالهم سادوا
سيقول القارئ الكريم:
ومتى كانت أمريكا ترغب في إصلاح شأن أُمَّتنا؟ وسؤاله وَجيهٌ صحيح.
وقبل أربع سنوات بدأت حركات ما سُمِّي بالربيع العربي. ومن البلدان التي وقع فيها ذلك مصر. ومما نتج عنه اضطرار الرئيس حسني مبارك إلى التَنحِّي عن الحكم. وسُمِّي بالرئيس المعزول. ولقد تَأمَّلت فيما حدث من نتائج. فرأيت أن مصر قد انزلقت في مستنقع أَتفادى - كما يَتفادى من هو في وضعٍ مثلِ وضعي - أن يُجازفَ في خوضه.
ولما سبق فإني سأقتصر على الإشارة إلى أمور حدثت في عهد مبارك قبل تَنحِّيه عن الحكم. وبخاصة ما له علاقة بقضية فلسطين. فمن ذلك أنه تَمَّ في عهده بيع الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني بسعر أَقلَّ بكثير مما يُبَاع على المواطن المصري. ومن ذلك أن وزيرة خارجية ذلك الكيان صَرَّحت أمام مبارك؛ وهي في مكتبه بمصر، بأن دولة الصهاينة ستهجم على غَزَّة دون أن ينبس بكلمة. وقد هجمت بالفعل، وضُرِب حصار على غَزَّة وأهلها. وكان ممن اشتركوا في ذلك الحصار الرئيس المصري حسني مبارك.
وقد كتبت شعراً حول هذا الموضوع في قصيدة عنوانها: «عَامٌ من الذُّل». ونُشِرت في صحيفة الرياض بتاريخ 7-1-2010م أي والرئيس حسني مبارك ما يزال حينذاك في الحكم. وها هي ذي تلك القصيدة:
عَامٌ من ذُلٍّ قد أَدبرْ
وملامحُ عِزٍّ لا تظهرْ
عَامٌ قد دَشَّنه بَوشٌ
فَتولَّى مِقوده الأَسمر
عِفريتٌ لكن من إِنسٍ
سِحريُّ المنطقِ و المظهر
صارت من فَيضِ بَراعتِه
بالقَولِ جماعاتٌ تَسكر
وبدا في القوم من انخدعوا
بجميل اللفظ هم الأكثر
فَغَدوا للغاصب خُدَّاما
أَو جُنداً من بين العسكر
يبدون الطاعة في خَوفٍ
ممن بالأمر قد استأثر
وإذا ما احتاج لِبَرهنةٍ
من جُملةِ طاعاتٍ تُذكَر
فَحصارٌ يكتم أَنفاساً
وجِدارٌ من دون المَعْبر
سَدٌّ لكن من فُولاذٍ
خَشية أن يُخرَقَ أو يُكسَر
والطاعة كنز لا يفنى
والفاهم بالدنيا أَخبر
وفِعَال مُطيعٍ قد تدنو
من شِركٍ أَكبرَ أو أَصغر
والويل الويل لمن يعصي
رَغباتٍ من عَمٍّ أَكبر
أو يعصي أَمر نتنياهو
في أَرض المَسْرى والمَحشَر
***
يا عاماً مَرَّ وكاتبه
سَطَّر عن وضعيَ ما سَطَّر
عن شَعبٍ دُجِّنَ مقهوراً
وزَعيمٍ أَخرس من يُقهرَ
عند المُحتلِّ له نَفَسٌ
أَطيبُ من رائحةِ العنبر
وحَديثٌ سبكُ عبارتِه
أَحلى في الطعم من السكَّر
وعلى مَحكومٍ مضطَهدٍ
أَمضى في السطوة من عنتر
ومُولًّى ينكر مَعروفاً
ويمارس في النادي المنكر
وعصابة سوءٍ فاسدة
في نهب المال هي الأشطر
***
يا عاماً مَرَّ وطابعه
ذُلٌّ في المَظهر والمَخبر
داست صهيون كرامتنا
وبقينا بالشكوى نَجأر
أَوَ ما في الأفق سنا أملٍ
بربيع مُخضلٍّ أَخضر؟
وأباةٌ سيفُ عزائمهم
يجلو أَدران من استكبر؟
سَيفٌ للأُمَّة مسلولٌ
يَستأصلُ شأنئهَا الأَبتر؟