كنت من ضمن كتاب الجزيرة الذين حضروا اللقاء الثالث في دبي، وكانت مناسبة جميلة للالتقاء بالزملاء والمهتمين بالشأن الإعلامي بصفة عامة، إذ إنه في هذا اللقاء الثالث تمت دعوة عدد كبير من العاملين في المجال الإعلامي والفني، ومنهم ضيوف من خارج الجزيرة،
فدائرة الضيوف اتسعت وكذلك النشاط حيث الكم والكيف. فالشكر واجب للمسؤولين عن هذا النشاط الكبير لما بذلوه من جهد رائع وعلى وجه الخصوص شباب وشابات المملكة الذين أثبتوا أن لا حدود لإبداعهم متى ما منحت الفرصة لهم، وزرعت الثقة فيهم. وهذا لم يكن ممكناً دون جهاز إداري يضع الإجادة والاتقان فوق كل الاعتبارات. وفي رأي الكاتب فالجزيرة أيضاً قدمت منجزاً وطنياً من حيث الحضور بهذا الزخم والتنظيم في عاصمة من عواصم المال والأعمال. والعنوان أعلاه يحكي قصة ما جرى بأن «الجزيرة تتفوق على نفسها» عاماً بعد الآخر، فكيف ولم تم ذلك؟
لهذا العنوان سببان: الأول أن تجربة الجزيرة في لقائها السنوي الذي نظمته في دبي للعام الثالث على التوالي تجربة غير مسبوقة، ولم تسبقها لها أي صحيفة أخرى بهذا التنظيم والأهداف لا على المستوى المحلي ولا الإقليمي. ولما كان التنظيم هذا العام للعام الثالث على التوالي مبهراً وأفضل بكثير من العام السابق فنحن أمام مؤسسة إعلامية تسعى للتفوق على ذاتها في ساحة محدودة المنافسين. والتجربة العملية تساعد على تراكم الخبرة التي لا بد وأن يستفيد منها الوطن سواء في الداخل أو الخارج.
كتبت العام مقالاً في التاريخ ذاته وعن المناسبة ذاتها ذكرت فيه أن الجزيرة عرفت كيف تؤكد هوية «الجزيرة»، وكيف تعمق الولاء منها ولها. دعت الكتاب وأعضاء مجلس الإدارة والمهتمين بالشأن الإعلامي ليلتقوا ويتعارفوا ويقيموا في المكان ذاته كعائلة واحدة لأيام حرصت على ألا ينسوها. الكتاب عرفوا الشأن الإعلامي، والمعلنون تعرفوا على رسالة الكتاب، ساعد ذلك على خلق صورة موحدة عن الرسالة الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية، وأصبحت هموم الجزيرة: إدارة وتحرير وكتاب وعملاء هموم مشتركة.
وقد أبدع الشباب في العلاقات العامة في خلق إحساس انطباع بالعناية الشخصية بكل الضيوف، إذ أرسلوا للجميع مجلدات رائعة تتصدرها صورهم الشخصية في إخراج جميل، وبها أيضاً نشاطهم ونشاط زملائهم في العام الماضي، كما قدمت لهم أرشيفاً بالأعداد الأولى للصحيفة وهذا في حد ذاته أمر رائع.
الدعوة المفتوحة هذا العام كانت مناسبة للاحتفال بالجميع، وفرصة لالتقاء الوسط الإعلامي السعودي بغض النظر عن الهوية المؤسسية والإعلامية. والكاتب كسائر المتابعين يحاول فهم هذه الخطوة التنظيمية التي قد تبدو أهدافها للبعض غامضة، فلم هذا التوهج الإعلامي وفي دبي بالذات؟ فدبي عاصمة الأعمال الخليجية والعربية، والمنظمون لهذه الفعالية جميعهم من الشباب والشابات السعوديات الذين استثمرت الصحيفة في تدريبهم على العلاقات العامة وتنظيم المناسبات الكثير من المال والجهد، ودبي هي المكان الذي تحتضن عادة أهم هذه الأنشطة، والمطلوب هو أن ينافس الشباب السعودي على المستوى الإقليمي والدولي. كما أن دبي هي معقل الشركات العالمية وبها أكبر سوق إعلانية في المنطقة، وصحيفة الجزيرة سجلت حضوراً دورياً لافتاً في هذه المدينة الصاخبة وبشكل رائع وهذا في حد ذاته إعلان عن إمكانيات الصحيفة، وعرض رؤية آفاق تطورها ومستقبلها.
فالواضح هو أن هناك فكراً إستراتيجياً يقف خلف هذا النشاط، فكر إستراتيجي بعيد النظر يرى في الجزيرة أكثر من صحيفة، فكر جعل المال والربح يتبعان النجاح وليس العكس. فعندما توجه الدعوة لمنافسيك ليحضروا فعالياتك بشكل معلن ومفتوح، فأنت أولاً وأخيرًا تعلن عن ثقتك بنفسك، تعلن لهم أنك تتطلع للمستقبل، وأنك لا تنافسهم بل تنافس نفسك بحضورهم وهذا بحد ذاته يعد تأكيداً لرغبتك بجعل الآخرين يتطلعون لك ويترقبون خطواتك. أي أنك تعد نفسك لا أن تكون منافساً بين متنافسين، بل أن تكون أنت المعيار لتنافسهم. وهنا نفهم لماذا تنافس الجزيرة نفسها بحضور منافسيها. فلقاء دبي رسالة في العلاقات العامة مفادها أن المؤسسة تتواصل مع العملاء في مكان نشاطهم، وفي سوق مفتوح للجميع. لا تأتوا لنا فنحن على استعداد للقائكم حيثما أنتم، نحن من يستضيفكم لا من يوظفكم. وفي نهاية الأمر تبقى المصالح المشتركة.
ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فاللقاء كان مناسبة للإعلان عن أحدث تقنيات الطباعة، تقنيات مدهشة لم تدخل المنطقة من قبل وقد تخلق واقعاً جديداً للصحافة الورقية الوطنية والإقليمية يعيد لها توهجها بعد دخول الصحافة الرقمية، فقريباً ستكون الإعلانات ذات ألوان فسفورية جديدة تماماً، وسيكون الإعلان أقرب للوحة الفنية الحية، والألوان المعدنية لم تكن ممكنة من قبل وتضيف بعداً ثالثاً للصور فتجعلها أكثر واقعية، وسيكون للجزيرة ألوان خاصة بها مرقمة تسهل للمتعاملين الاختيار منها. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فالجزيرة تهدف لأن تكون إعلاناتها ذات رائحة أيضاً، أي أن حاسة الشم ستدخل مجال الإعلان في الصحف للمرة الأولى في الشرق الأوسط. فبمجرد فرك الإعلان يستطيع القارئ أن يشم عبق العطر، وخنة القهوة أو حتى رائحة الوجبة. وستكون للإعلانات أشكال جديدة يمكن قصها، أو فصلها عن الصفحة دونما أن تتأثر.
هذه مجرد خواطر وتساؤلات لما فعلت الجزيرة ما فعلت، فنحن الكتاب لا نعرف إستراتيجات مجلس الإدارة، ولكننا ممتنون لمثل هذا اللقاءات التي قربت المسافات بين أفراد أسرة الجزيرة، الكثير منا على الأقل يشكر الجزيرة على تقديرها لهم. فالانتماء مهم جدا لإجادة العمل، وتعميق الانتماء لا يكون بالكلام بل بالمشاركة. مشاركة المنتمين للمؤسسة في إدارتها.
مما أعجبني في عرض الجزيرة أن شركة عالمية لتحديد وقياس الانتشار والتوزيع، ذكرت أنها بناء على إحصائيات هذه الشركة ليست الأولى على مستوى المملكة بعد، وذكرت اسم منافسها أمام الملأ وفي حفل عام، ولكن الجميع عرف أن ذلك سيكون ظرفياً وقتياً والمنافسة الشريفة قائمة. ولكن مع دخول التقنيات الطباعية الجديدة ربما تتغير الصورة كليا خاصة وأن ذات الشركة منحت صحيفة الجزيرة المراكز الأولى في المقروئية والانتشار في المنطقة الوسطى ومدينة الرياض والمحافظات التابعة لها ومنطقة القصيم ومنطقة حائل. وربما نشاهد قريباً انتشار صحيفة الجزيرة خارج المملكة، فدبي ليست إلا الخطوة الأولى على ما يبدو في هذه الإستراتيجية الطباعية الحديثة جدا. تقنيات حديثة ستسهم حتماً في وضع معايير جديدة لسوق الإعلان في المملكة والمنطقة العربية. وسيبقى الجميع يتحدث عن لقاءات الجزيرة على الأقل حتى اللقاءات القادمة، وربما سمعنا عن الجزيرة أنها ستنظم فعاليات وطنية ضخمة بما تكوّن لديها من خبرات متراكمة.