كثير هو النقاش الحاصل في السنوات الأخيرة حول الصحافة الإلكترونية والورقية، وأن الأولى سحبت بساط القراء من الثانية، وعليه فإنها ستتوارى عاجلاً أم آجلا، واختلف المنظرون حول ما تبقى من عمر الصحافة الورقية. قد اتفق مع بعض الأطروحات في حال بقيّت الصحافة الورقية على وضعها دون تطوير وعوامل جذب تُعيد الناس إلى الورق، أيضًا الاعتماد على المادة المكتوبة فبعد أن كانت الورقيّة هي مركز صناعة الخبر تغيّر الوضع وفهمت -بعض- الصحف أن الاعتماد لا بد أن يكون في صناعة الرأي.
أعتقد أن ما تقوم به صحيفة الجزيرة من تطوير وإعادة تشكيل للصحافة الورقية سيُغير كثيرًا من الحسابات والآراء المطروحة حول ما تبقى من حياة الورق، فالعروض المبهرة التي قدمتها لنا ككتاب رأي في دبي الأسبوع الفائت ضمن فعاليات حفل الجزيرة السنوي الثالث والذي يأتي تحت شعار مدروس هو: (دومًا معًا) كفيل بأن يجعلني وزميلاتي وزملائي نفخر بما قدمته وما ستقدمه لنا لنبقى على تواصل دائم وبشكل مطوّر ومختلف سواء عبر الورق أو عبر الموقع الإلكتروني، عن غيرنا في هذه الصحيفة، حتى العدد الكبير من الشركات المعلنة التي حضرت حفلنا أتت الصدفة لأتحدث مع بعض قياداتهم عن رؤيتهم حول الجزيرة، كنت أشعر بالاختلاف وأنا أسمع ما ذكروه عن صحيفتي، ولنكن واقعيين فإن كسب ولاء المعلن هو ضمان استمرارية الصحافة سواء ورقية أو إلكترونية، وهذا ما تعمل عليه الجزيرة، فهي لا تقدم لهم مجرد حفل، إنما تقدم تطويراً شاملاً ومتكاملاً لم تشهده المنطقة العربية، وفتحت تاريخًا جديدًا للصحافة الورقية سيجعل من يريد الاستمرار أن يحاول اللحاق بها إن استطاع.
الجزيرة ومنذ انضمامي لصرحها، وأنا صاحبة تجربة في عدة صحف، إلا أن أكثر ما وجدته بها هو أنها عالم مجتمعي متكامل، تملؤها أجواء الرقيّ والاحترام المتبادل والذي صنعه رئيس التحرير خالد المالك، كمتابعته لمقالات وكتّاب الرأي بنفسه واحترامه لكل كلمة تُكتب وفي حال عدم مناسبتها للنشر فهو يتصل بنفسه ليستأذن الكاتب ويحاول إقناعه بالأسباب، هذا يحدث في الجزيرة برغم معرفتنا عن مدى انشغال رؤساء التحرير، لكنه وللأمانة أقولها سواء استمررت في هذه الصحيفة أم غادرتها، أن ما يقوم به هو لإيمانه بأن الصحافة الورقية وبعد التحولات التكنولوجية بات فيها العنصر الأهم والجاذب هو كاتب الرأي، وعلى هذا الأساس يدرك جيدًا حساسية التعامل في مثل هذه الأمور المهنية.
صحيفة الجزيرة وفي حفلها السنوي هي لا تقدم فقط حفلاً، بقدر ما تقدم منتجات لمنسوبيها وشركائها، أضف إلى ذلك اهتمامها بالتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة في أيام الحفل، مثل: طباعتها لصحيفة صغيرة لكل ضيف تحتوي على أهم الأحداث المنشورة في صحيفة الجزيرة وقت تاريخ ميلاده، هذا مثال فقط، إنما الأشياء الجميلة والمبهجة أكثر من هذا وذاك، وكلها تعود للعقل الواعي مديرنا العام عبداللطيف العتيق وفريق عمله الرائع، وكل عام والجزيرة بخير، ونلتقي العام المقبل بإذن الله مع مزيد من المفاجآت.