يقول فيلسوف الإدارة الأمريكي الشهير (Warren Bennis) «لا تحسن القيادة إلا بقبول التابعين»، ومع أن هذه العبارة بسيطة ومنطقية وماثلة للعيان في كل شأن وحين، إلا أن التاريخ يحكي لنا قصصاً عديدة من فشل القادة في تحقيق قبول تابعيهم، ولأسباب كثيرة أبرزها قصور النظر أو الغرور برأي أو فقدان الرشاد في الحكم أو الاستئثار في المنافع، لذا سأتحدث اليوم عن سمات أربع تمظهرات للقائد في عصرنا الحديث والقائد في تعبيري قد يكون عظيم دولة أو قائد حرب أو رئيس شركة أو مدير دائرة حكومية، فالقائد المثالي «هو كل من يسعى لتحقيق غاية بتنسيق جهود متفاوتة ومتنوعة ويمكنها من موارد مناسبة ليخلق منها تظافرا مثاليا يتفوق بها على كل منافس في تحقيق الغاية»، وبناء على هذا التعريف يمكن تصنيف القادة على أربعة أصناف، الأول القائد الحكيم والثاني القائد المغامر والثالث القائد الحذر والرابع القائد الجبان.
القائد الحكيم: هو القائد الذي يدرك حقيقة مقولة الفيلسوف (Warren Bennis) لذا عندما تتجذر في ذهنه رؤيا محددة وتشتاق نفسه لتحقيقها، ينظر في حال التابعين من حيث جاهزيتهم وحاجتهم لها، ثم ينظر في آلية بناء الرغبة لديهم لتحقيق الرؤيا، فالقائد الحكيم لا يتحرك باتجاه الهدف حتى يشعر بأن التابعين يدفعونه لذلك الهدف بقدر ما يقودهم له، لذا يعتمد القائد الحكيم على دراسة الواقع وتحديد متطلبات تحقيق الأهداف ويضع خطة تغيير تجعل التابعين على دراية واتفاق بالهدف مع القائد، ومعظم القادة الذين حققوا نجاحات على مدى التاريخ هم من هذا الصنف من القادة.
القائد المغامر: هو القائد الذي عندما تختمر في ذهنه رؤيا وتشتاق نفسه لتحقيقها ينظر في حال التابعين فيقسمهم لثلاثة أقسام قسم يشاركه الرغبة والحماس وقسم لا يشاركه الرغبة وقسم معارض له، فيمكنهم القسم الأول من كل الموارد المتاحة ليتحكموا بالقسم الثاني ويقمع القسم الثالث بكل قواه. هذا النوع من القادة يعتمد على المغامرة والحيلة وكثير من الضجيج الإعلامي مثل هذا القائد يصدق في حقه المثل الشعبي «نصف الحرب دهولة». هؤلاء القادة يحققون نجاحات سريعة ولكن سرعان من يفشلون فشلاً ذريعاً.
القائد الحذر: هو القائد الذي عندما يتصور رؤية محددة وتحدثه نفسه بتحقيقها، يمضي وقتا طويلا في التمعن والتقييم والدراسة للرؤية وميزان المخاطر والمكتسبات وقيمة المنافع التي تتحقق من السعي لها، ويحيط كل ذلك بسرية تامة، كما يسعى بسرية لاستطلاع حال التابعين ومدى الرضا عن الواقع المعاش، فالقائد الحذر غير ميال للتغيير في ظل رضا التابعين عن واقعهم، وهو ليس معنيا بالتطوير بقدر ما هو معني بالاطمئنان. هذا القائد يعيش طويلاً في ظل الرتابة ويميل للحلول الوسط، فالاستقرار غايته لذا يتميز بالقدرة على التفاوض وتقييم المخاطر.
القائد الجبان هو أسوأ القائدة، ومثل هذا القائد أفاق على حقيقة أنه أصبح على رأس تابعين، هذا النوع غير معني بأي رؤيا فهو لا يريد من القيادة سوى إشباع ذاته وتحقيق رغباته، وينظر للتابعين بعين الريبة والخوف فيتحسس ذوي المبادرة والإنجاز فيقمعهم لما يجد في نفسه من خوف منافستهم، وينضر في من يريد التغيير من التابعين بنظرة التخوين فيقسم التابعين بين خائن يجب القضاء عليه ومنافق يتقيه، هذا القائد يجد أن أفضل حال يكون عليها التابعين هي حال الخوف والريبة والشعور بالسطوة، فذلك يشتت طاقة التابعين في خلافاتهم ويشغلهم عن النظر في مطالب تحسين الواقع، وتقلقه الأفكار الجديدة فيسعى لحرمان التابعين من المعلومات والمعرفة ويغير من المحيطين به في استمرار ليبقي على حالة الغموض والخوف منه.
في معيشتنا اليومية نقابل هذه الأنماط من القادة في مؤسسات الدولة وفي الشركات المساهمة ومعظم الأعمال، ونتعامل معها بما تقتضيه مصالحنا، وطموحنا أن يجد كل قائد أن نمط القائد الحكيم هو النمط النموذجي والذي يجب أن يسود في البلاد، الأهم أن لا يجد القائد الجبان مكان له في بيئتنا العربية فذلك مدمر للحاضر والمستقبل.