لثلاثة أيام متتالية بدءاً من يوم 26 أكتوبر 2014 بدأت أعمال المؤتمر السنوي في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي والمسمى(تضييق الهوة ما بين التعليم والعمل) والذي جمع ثلة من القيادات التربوية ورجال الأعمال وصناع القرار الحكوميين والعاملين في المؤسسات غير الربحية من مختلف أنحاء العالم في العاصمة الأمريكية وذلك لمناقشة التغيرات المتسارعة التي تطرأ علي سوق العمل وكيف يمكن للمؤسسات التربوية اللحاق بها وإعداد الطلاب الذين يتمتعون بالمهارات المتجددة التي يحتاجها هذا السوق.
http://blogs.edweek.org/edweek/college_bound/2014/10/post_1.html
ولإيضاح مقدار الهوة ما بين ما يدرسه الطلاب وبين ما يواجهونه فعلا حين ينزلون لسوق العمل عرضت مؤسسة جالوب المتخصصة في هذا النوع من الدراسات إحدى نتائج دراستها التي أظهرت انه في حين ان 96 % من الأساتذة في الجامعات الأمريكية يؤمنون بأن جامعاتهم تعد الطلبة لسوق العمل لم يوافق إلا 11% فقط من رجال الأعمال على أن خرجي الجامعات الأمريكية يحوزون المهارات اللازمة التي ستتطلبها المهن المستحدثة للقرن الواحد والعشرين.
وفي دراسة أخرى عرضتها جالوب تمت على طلاب التعليم العام (من السنة الخامسة ابتدائي وحتى ثالث ثانوي)، أظهرت أن 43 % من هؤلاء الطلاب يفكرون في بدء أعمال خاصة بهم حين يتخرجون) وهو ما اعتبرته جالوب رقما مذهلا بالنسبة لمن تابعتهم في دراساتها التي أظهرت أن 3% فقط من هؤلاء الطلاب استطاع فعلا أن ينشئ شركته الخاصة بعد التخرج.
ماذا يعني ذلك؟
أن على المدارس أن تولي انتباها للطلاب الذين يظهرون رغبة في بدء أعمالهم وشركاتهم على غرار العناية التي تقدم للطلبة النابغين في الرياضيات أو القواعد أو الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة أو الموهوبين. وأوصت الدراسة بوجود ما يسمى (منتورنك) أي رعاية من مؤسسة مهنية لهؤلاء الطلاب لتعليمهم المهارات التي قد تساعدهم لاحقا لبدء أعمالهم المستقلة ولكن من طريف الدراسة انها وجدت أن طلاب المرحلة المتوسطة أكثر حماسا لبدء أعمالهم من المرحلة الثانوية مما يتطلب رعاية لهؤلاء الطلاب منذ سن مبكرة (51% في المتوسطة مقابل 33% في الثانوية).
المشكلة التي يواجها الخريجون فعلا هو ما نسميه في تخصص أصول التربية (سيرتفكيت أسكليشن ) أي تصاعد الطلب على الشهادات العلمية من الخريجين حتى لو كانت طبيعة العمل لا تحتاجها ولكن لأن هناك فائض من الخرجين في سوق العمل فيعمد أرباب العمل إلى أخذ من لديهم شهادات أعلى وهذا يدفع بطالبي العمل ولتحسين فرصهم في التوظيف لأن يلجؤوا إلى محاولة الحصول على شهادات أعلى مما يضع أعباء غير مبررة على عاتق المؤسسات التعليمية لتوفير التعليم الذي يمنح الشهادات التي لا يحتاجها سوق العمل أصلا.
أحد السباب التي أظهرتها دراسات المؤتمر المذكور وبررت فيها فشل المؤسسات التعليمية في إعداد طلابها لعالم المهن هو الحقيقة البسيطة وهو أنه وفي القرن الواحد والعشرون وحين يلتحق طالب بكليته ثم يمضي أربع سنوات في دراسته فلا احد يستطيع أن يتنبأ بالتغيرات الهائلة التي ستحدث في تخصص الطالب خلال الأربع سنوات المذكورة لأن عالم الأعمال يتميز بتغير مذهل وسريع لا يقابله أي تغير في المؤسسة التربوية التي عرفت تاريخيا بتقليديتها ومحافظتها.
هل تستطيع المؤسسات التربوية على المستوي الجامعي توفير التدريب اللازم للطلاب حتى يكونوا جاهزين لمؤسسات العمل من اليوم الأول؟
التجارب تثبت فشل ذلك حيث لا تمتلك المؤسسة التعليمية الأرضية المناسبة للعمل والخبرة المباشرة مثل الشركات فما العمل إذن لتجاوز هذا؟
كافة الجامعات الأمريكية اليوم على سبيل المثال تتطلب سنة على الأقل من كل طالب كخبرة عمل أو دراسة أو عمل خارج جامعته وأحسن خارج ولايته بل الأفضل خارج الولايات المتحدة كلها ليتلقى التدريب والانفتاح على متغيرات العالم كما يحملها لنا القرن الواحد والعشرون.
ومثل كل من جاء من دول نامية لا تستطيع تجاوز نظمها البيروقراطية كان هذا الوضع محيرا بالنسبة لي إدراياً, أكاديميا لذا فسؤالي الأساسي حين ذهبت إلى عدد من الجامعات في مدينة بوسطن حيث أقضي تفرغي لهذا الفصل هو ليس حول ماذا سيستفيد الطالب بل كيف سيتعامل القسم والكلية وعمادة القبول مع مشكلات التسجيل والساعات لهؤلاء الطلاب لتحديد ما تم إنهاؤه من ساعات تخرجهم وتحويلها من جامعة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر الخ؟ لكن فوجئت أنهم وجدوا سؤالي غريبا؟ فليس عندهم أصلا مشكلة؟؟؟!!
مثلا هم يسجلون ست أو ثمان ساعات تدريبية للطلاب عليه أن ينفذها إما مع شركات أو مؤسسات تعليمية خارج الولايات المتحدة الخ كل حسب تخصصه لكن هم دائما يفضلون أن يسافر طلابهم إلى بلدان مجهولة لينفتحوا على العالم وربما يولدون فرصا اقتصادية غير معروفة في ذلك البلد.
سألت من يمول كل ذلك ومن يرعاه؟ من ينظم مع الدول وكيف يتم التنسيق مع البلدان المختلفة لاستقبال الطلاب الخ من المسائل اللوجستية؟ دهشت حين دعوني لاجتماع مع مؤسس مركز الدراسات العالمية في إحدى الجامعات المشهورة في بوسطن؟ رجل أعمال أمريكي وزوجته أنشأوا مراكز في عدد من الجامعات ووفروا الرواتب والعاملين للعناية بكل صغيرة وكبيرة من سفر الطلاب والتنسيق مع الأهالي ومع المستقبلين في الدول المضيفة والسكن والمواصلات والأكل والرعاية ومن يسافر معهم من الأساتذة الخ من التفاصيل ولكن حتى تكتمل دهشتي: وجدت أن دولا مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان لديها برامج مع هذه الجامعات لاستضافة طلابهم وتوفير كافة احتياجاتهم والدراسة في مؤسساتهم أو العمل مع الشركات في بلدانهم وأننا نحن في السعودية: البلد الوحيد الذي لم تتمكن أي جامعة أمريكية حتى الآن من إرسال طلابها إليه لأسباب كثيرة؟ أتساءل بسذاجة:
يا ترى ما هو السبب؟؟؟