في الوقت الذي نشكر للوزراء السابقين ما بذلوه من جهود، وما قدموه من أعمال خلال تسنّمهم مناصب سيادية، وتوليهم حقائب وزارية في السنوات السابقة من عمرهم، وندعو لهم بالتوفيق في حياتهم التعبدية والعائلية وأعمالهم الخاصة، في ذات الوقت نبارك لأصحاب المعالي الوزراء الجدد الثقة الملكية الكريمة ونسأل الله عزّ وجلّ أن يبارك في جهودهم ويصلح نواياهم ويسدد أقوالهم وأفعالهم، وأن ينفع بهم العباد والبلاد، وقبل أن يقف هؤلاء المُصْطَفَوْن بين يدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لأداء القسم، وهم بكامل قواهم العقلية والجسدية ليقولوا بلغة عربية مسموعة (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي وبلادي، وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص)، قبل هذا عليهم أن يستحضروا ستة أمور مهمة - في نظري -:
* أولها: أن المقسم به الله عزّ وجلّ المطلع على ما في الصدور {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، إذ إنّ النتيجة في النهاية ({فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وزيراً كان أم أميراً، صغيراً كان أو كبيراً، رجلاً أو امرأة.
* ثانيها: أن المقسم له «ولي الأمر» خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز الذي عُرف عنه حبه لشعبه وحب شعبه له، كيف لا وهو القائل «مدامكم بخير فأنا بخير» ،»لا عذر لأحد بعد اليوم».
لقد وثق بكم حفظه الله ورعاه، وأنابكم عنه للوفاء بمتطلبات الشعب على أسس العدل وقدم المساواة، دون محاباة أو مجاملة أو تفضيل، فكونوا كما أراد.
* ثالثها: أن الصدق والأمانة والإخلاص من أشق الأمور على النفس، فالإخلاص - كما يقول العز بن عبد السلام رحمه الله - هو: (أن يؤدي العمل خالصاً لله وحده لا يريد به تعظيماً من الناس ولا توقيراً ولا جلب نفع أو دفع ضر)، ولذا عليكم أن توطنوا أنفسكم وتدربوها على هذه الثلاثة العظام.
* رابعها: أن في الطريق للوصول إلى القمة والترقي في سلّم النجاح تحديات ومصاعب، عقبات بشرية ومادية وإدارية، علاوة على المغريات والصوارف والملهيات، حتى وإن أخذت شكل الإنجازات ولبست لبوس المقدمات التي لابد منها لإعلان لحظة الانطلاق، فالحذر من التسويف والإهمال أو التراخي وطول الانتظار والإطالة في التخطيط والتفكير دون الإقدام والعمل، مع اليقين الجازم بأهمية ذلك وضرورة وجوده إلا أن الوقت يمضي والناس في طابور الانتظار.
* خامسها: النفس البشرية بطبعها تميل إلى التزود من كل ما من شأنه تلبية غريزتي (حب البقاء وحب التملك) تلكما الغريزتان اللتان كانتا سبباً لانقياد أبينا آدم لإغواء إبليس وأكله من الشجرة وهو في الجنة، مع أن الله نهاه عنها، فأعلن انتصارك على ذاتك من هذه اللحظة، وعزّز هذا الشعور لدى أسرتك وأهل بيتك فهذا سر من أسرار النجاح في حياة المسئول.
* وآخرها : تذكّر أنّ الرقيب عليك هو الله وحده ، وهو من أقسمت باسمه الأعظم «الله» أمام من منحك ثقته وجعل حوائج الناس أمانة في عنقك .. وهناك «رقابة المجتمع» التي تقدمت في عالمنا المعاصر جراء تطور وسائل التواصل والاتصال، فهم سيحسبون عليك حركاتك وسكناتك، وسيسألونك عمّا قريب ، سيغردون ويكتبون وربما يتجسسون ويتصيدون، فكن على حذر وإياك أن تظن أنك بمنأى عن المساءلة والمؤاخذة، فأنت شخصية عامة وما تقوله أو تفعله حين يصدر منك، يصبح ملكاً للجميع ولا تستطيع التنصل منه، ولذلك لابد أن يكون ضميرك حياً فهو من سينجيك بعد عون الله وتوفيقه من المهالك ويبعدك عن شر المسالك وويلات المزالق {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}.
إن استشعار الرقابات الثلاث (الله ثم المجتمع «الخارجي» الرسمي منه والشعبي، والثالث ضميرك الذي بين حناياك)، إن هذا الاستشعار والعمل الجاد على هذا الأساس واختيار معاونيك واصطفائهم على أساس التميز والجودة والعطاء، سيجعلك هذا كله بعون الله وتوفيقه باراً بقسمك ملتزماً بما جاء فيه صادقاً مع ربك، مبرَّئاً لذمتك وذمة من أنابك عنه ، محققاً لما يتطلع له الشعب وينتظرونه منك.
صاحب المعالي المبجل:
أجزم أنك تعرف ما قلت وربما أكثر منه، ولكنني أحببت تذكيرك وأنت تعيش أيامك الأولى في منصبك هذا، وبعد غد «الأحد» ستضع قدمك اليمنى لتدخل مكتبك الجديد وأنت تتأبط حقيبة وزارية مهمة، دفعني لهذا التذكير محبتي لشخصك وحبي لوطني، فنحن جميعاً في سفينة الوطن المبحرة في أمواج التنمية المستدامة المتلاطمة، لكم منا مد يد العون ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وحقكم علينا النصح وصادق الدعاء، فاللهم إنّي أسألك لولاة أمرنا وللوزراء الجدد والسابقين والأمراء والمسئولين التوفيق والسداد، دمتم بخير وتقبلوا جميعاً صادق الود والسلام.