فيما مضى كنا نتأمل باهتمام ودهشة الكثير من الهوايات التي ظلت تتوزّع بين جيل الشباب والشابات؛ وإن جاء أكثرها عند الذكور، فهذه الهوايات كانت مميزة ولها حضورها وقوتها، لترتبط بشخصية من يقوم فيها ويمارسها، بل إنه يعدها من أولويات سيرته الحياتية والعملية، ليتباهى بها، على نحو هواية الصيد، وتربية الطيور ولا سيما الحمام، وجمع العملات، والتحف القديمة، والطوابع، إضافة إلى الكثير من الهوايات القديمة والحديثة التي تنشأ من خلال أوقات فراغ الناس، لا سيما جيل الشباب، لتستمر معهم في النمو مع مراحل تقدمهم بالعمر.
وحينما نتساءل عن أسباب تراجع هذه الهوايات وانحسارها لدى المجتمع البسيط، ندرك أن الحياة في السابق كانت عفوية وغير معقدة، فكان الناس يمارسون هواياتهم، أو ما تميل إليه أنفسهم بطريقة غير متكلَّفة، تساعد على تفتق الذهن وصقل الموهبة، وتعزيز قيم المهنة التي ربما تتحول من هواية إلى عمل يجد فيه المرء مصدر رزق يدر المال، وينظم الوقت، ويعزز قدرة الشخص على الإبداع والتميز.
وحينما نتأمل بعض الهوايات التي ظلت سائدة لعقود على نحو هواية (جمع الطوابع) التي مثَّلت منعطفاً حقيقياً في منظومة هذه الأعمال والممارسات الحضارية التي ترصد تحولات الزمن وتطورات البيئة، وترتبط ضمناً بمراسلات الأحبة بعضهم ببعض لا سيما الرسائل بين الغائبين وذويهم.
ولم تعد الطوابع هواية مجردة إنما ظلت مع الوقت مصدراً من مصادر الرزق للعديد ممن يمارسونها فهي - كما يُقال - تضرب عصفورين بحجر واحد، لتمارس الهواية وتستفيد مادياً، إلا أن هذه الهواية المرتبطة بوسائل الرسائل الورقية أضحت تمر بأزمة وجودية مع تطور وسائل التواصل الإليكتروني بمختلف أشكاله، ولم تعد طوابع البريد تزين رسائل الحنين والشوق، بل باتت من قبيل الاحتفاء والتذكار الذي يخرج بين فينة وأخرى، لتقديم رؤية توثيقية لمراحل التطور والبناء، وقيام المشاريع الحضارية.. مع بقاء هؤلاء الهواة يتأملون ما لديهم بتفاؤل رغم ما تواجهه هذه الهواية من تراجع.
أما الآن فإن من الهوايات العصرية، المزدهرة حديثاً هي هواية «التصوير الفوتوغرافي» التي تعد بحق لغة العصر ولسان تخاطبه، فقد تطورت مفاهيم هذا الفن، أو لنقل عنها هذه الهواية لتأخذ أشكالاً ومضامين جديدة ودقيقة، يمكن لها - إن أحسن استخدامها - أن تكون مصدر توثيق للكثير من الثقافات والفنون الشعبية، والحرف والمشغولات.
ورغم أن فن التصوير الفوتوغرافي والضوئي يغلب عليه طابع الهواية إلا أنه يُعقد عليه الكثير من الآمل والطموحات التي تريد له أن يكون مُوَثِّقاً للتراث الإنساني، ومصوراً للجوانب الفنية والفلكلورية والأزياء والمشغولات، لأن العدسة لديها قدرة على التقاط جوانب مهمة في الحياة الإنسانية، كما أنها ستسهم في حفظ المنجز الإنساني وتوثيقه، وتقديمه للذائقة بشكل جمالي بديع، يعكس أهمية هذه الهواية ودورها في بناء المنجزات الحضارية والثقافية، وكل ما هو متعلق بالماضي ومشغولاته وإنجازاته.
وحينما نعدد الهوايات في العصر الحديث لا بد لنا أن نقف عند الأعمال التطوعية والخدمات الإنسانية بوصفها حالة مهمة وضرورية يمكن للجيل الجديد أن يتفاعل معها، وينجز الكثير من الأعمال الإنسانية، ليحقق من خلال هذه الهواية معادلة المتعة والفائدة، أما أخطر هذه الهوايات في العصر الحديث هي تلك التي ترمي بأصحابها إلى التهلكة على نحو مغامرات السرعة في السيارات والدراجات التي لا يمكن أن نقول عنها هواية بقدر ما نصفها بأنها ضرب من المجازفة والجنون، فيجدر بنا جميعاً التصدي لها من أجل التقليل من أخطارها.