الجزيرة من الرياض:
حين بدأت شركة ايبل لوجيستكس جروب لخدمات الشحن في دبي تستعد أوائل هذا العام لطرح أسهمها في اكتتاب عام أجرت عملية إعادة رسملة بالاقتراض فحصلت على قرض مصرفي جديد حتى تتمكن من توزيع أرباح نقدية على المساهمين.
الصفقة تقليدية بمعايير الأسواق الغربية المتطورة لكنها تعد بالنسبة لأسواق الشرق الأوسط معلما مهماً يبين أن قطاع سوق الاستثمار المباشر بالمنطقة يكتسب قوة دفع أخيرا مع عودة الاكتتابات لأسواق المال.
كان نشاط الاستثمار الخاص قد توقف تقريبا في الشرق الأوسط في عام 2008 متأثرا بالتراجع الشديد في أسواق الأسهم والعقارات. ومقارنة بمعظم أنحاء العالم اتسمت وتيرة عودة النشاط لطبيعته بالبطء لأسباب منها عزوف بنوك المنطقة عن المخاطرة، لكن منذ العام الماضي بدأ المستثمرون يضخون مبالغ أكبر وبدأت شركات الاستثمار المباشر تحدد نطاقا أوسع للصفقات والبنوك تبدي استعدادا أوضح للتمويل وتقبل المخاطر. تشير بيانات شركة زاوية للمعلومات المالية - التابعة لشركة تومسون رويترز - إلى أن 16 صندوقا للاستثمار المباشر جمعت 860 مليون دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي مقارنة مع 18 صندوقا جمعت 400 مليون دولار فقط عام 2012.
التخارج
ومن الأمور التي لا تقل أهمية عن زيادة أموال الاستثمار إتاحة طرق لتخارج شركات الاستثمار المباشر من المشروعات التي استثمرت فيها، سواء من خلال صفقات بيع استراتيجية أو من خلال الطرح العام الأولي. وفي مارس - آذار الماضي طرحت شركة جلف كابيتال للاستثمار المباشر ومقرها أبوظبي أسهم شركة جلف مارين سيرفيسيز لتشغيل سفن الخدمات النفطية في بورصة لندن قائلة إن حصيلتها من الاكتتاب العام الأولي الذي يلغ حجمه 300 مليون دولار تقترب من عشرة أمثال استثماراتها الأصلية. وكان هذا واحدا من أكثر عمليات التخارج من استثمار مباشر ربحا في الشرق الأوسط وعلامة إيجابية بالنسبة لبقية القطاع. وقال محمد الشروقي رئيس منطقة الخليج في مجموعة إنفستكورب ومقرها البحرين والتي اشترت في 2009 حصة 70 في المئة في شركة لازوردي للحلي والمجوهرات ومقرها السعودية إن مجموعته قد تدرس طرح أسهم لازوردي للاكتتاب العام. وقال الشروقي «نعم.. أسواق رأس المال بالشرق الأوسط وبخاصة في منطقة الخليج أكثر سيولة مما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات.» وأضاف «الأغنياء يزدادون غنى والمليونيرات يزدادون عددا.»
نضوج
ورغم أن قطاع الاستثمار المباشر آخذ في الانتعاش لا يتوقع كثيرون أن يكون الصعود بالقوة التي حدثت قبل ازدهار 2008 القوي. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن السوق باتت أكثر تنظيما من ذي قبل لعوامل منها أن اهتمام المستثمرين بالشفافية وحوكمة الشركات زاد عنه قبل الأزمة، كما أن البنوك تعزف عن التمويل هنا وهناك بلا قيود ضامنة. كما أن بعض شركات الاستثمار ازدادت تطورا وأصبحت تفضل الاستثمار المشترك في صفقات محددة على أن تضخ مبالغ ضخمة في شركات إدارة الصناديق.
من ناحية أخرى لم تتغير بعض الخصائص المميزة لسوق الاستثمار المباشر وبخاصة أهمية الشركات التي تديرها الأسر في منطقة بها شركات كثيرة سريعة النمو إما مملوكة لعائلات أو للدولة. وقال فراس ناصر العضو المنتدب والمدير المشارك لشركة كارلايل الشرق الأوسط إنه كان لزاما على شركة كارلايل الأمريكية العملاقة للاستثمار المباشر أن تضع نموذجا جديدا لأعمالها في الشرق الأوسط والتي تختلف كثيرا عن أعمالها في بقية أنحاء العالم. وأشار إلى أن كارلايل تستحوذ عادة في الولايات المتحدة وأوروبا على حصة الأغلبية أو على شركات بالكامل، أما في الشرق الأوسط فإنَّ أفضل الفرص بالنسبة لها هي تلك التي يعزف فيها أصحاب الشركات عن بيع حصة مسيطرة.
وقال ناصر «إنهم يتطلعون لشريك فعلي في الأنشطة يمكن أن يساعدهم على تحويل نشاطهم الأسري إلى مؤسسة مهنية وعلى التوسع في أسواق جديدة قد لا تكون مألوفة بالنسبة لهم». وتابع قائلاً: «شركات الأسر لا ترغب في بيع شركة أقامتها العائلة على مر العقود.» لذا فإنَّ النموذج الذي اختارته شركة كارلايل في الشرق الأوسط هو أن تصبح مستثمرا استراتيجيا بحصة أقلية قوية تتراوح بين 30 و49 في المئة.
ويقول مسؤولون تنفيذيون إن من الأشياء التي لم تتغير في مثل هذه الصفقات هو أنه يظل بمقدورها تحقيق عائدات في الشرق الأوسط أعلى منها في أسواق الاستثمار المباشر الأكثر تطورا والأقل خطورة. وقال الشروقي «عائد الاستثمار في صفقات الاستثمار المباشر بالشرق الأوسط يتراوح بين 23 و27 في المئة. المخاطر الأعلى تجلب عائدات أعلى.. هذا بالمقارنة مع 16 إلى 20 في المئة في المتوسط في الأسواق الأكثر تطورا كأسواق الولايات المتحدة وأوروبا وكانت كارلايل التي تبلغ الأصول تحت إدارتها 189 مليار دولار في أنحاء العالم قد فتحت مكاتب في الشرق الأوسط عام 2007، واشترت منذ ذلك الحين حصصا في ست شركات معظمها في تركيا والسعودية. وتبدي كارلايل اهتماما بالقطاعات الاستهلاكية في تلك الدول مثل الرعاية الصحية والمنتجات الاستهلاكية والأغذية والمشروبات والتجزئة والتعليم. وأضاف فراس «تتماشى تلك القطاعات الآمنة مع العوامل السكانية للشرق الأوسط وتستفيد منها حيث توجد نسبة عالية من الشبان ونمو سكاني سريع مع زيادة الدخل المتاح للإنفاق وطبقة وسطى آخذة بالاتساع.»