في مؤشر مدركات الفساد (2014م) حققت المملكة العربية السعودية تقدماً ملموساً في التقييم على المستويين العالمي والعربي، هذا التقدم الذي أحرزناه حصيلة عزيمة صادقة من خادم الحرمين الشريفين في مسيرة الإصلاح التي يقودها، ونتيجة عمل دؤوب قادته الأجهزة الرقابية ذات العلاقة، وبالرغم من ذلك التقدم أو المرتبة التي ظفرنا بها إلا أنها في نظر البعض غير مرضية على الإطلاق، ولا تعكس الواقع الذي نعيشه، ولا الطموح الذي ينشده المجتمع، ولعل هذا الإحساس هو في الحقيقة ما سيقودنا في البحث عن الأفضل.
* أمام هذا المؤشر يلفت الانتباه كيفية استقراء النخب الثقافية، وتفاعل شرائح المجتمع بكل أطيافه مع تلك النتائج الإيجابية إلى حد ما. المتأمل يلحظ ذلك التجاهل من البعض الذي ربما نجد ما قد يبررون به مواقفهم تجاه تلك النتيجة.
* المجتمع السعودي كأي مجتمع له همومه، ومشكلاته، وقضاياه، هذه الهموم هي التي تقوده إلى التعاطي سلباً أو إيجاباً مع أي طرح أو تقييم.
* على سبيل المثال، الرأي العام الذي يمثل فئة الشباب لن يعترف بأي بادرة إصلاح تطرح، وهو يعاني مشكلة (الإسكان) التي تتفاقم عاماً بعد عام، وجيلاً بعد جيل، إذ يظل في حيرة أمام ابتعاد المسؤولين، أو أغلبهم عن طرح المشكلة، وتشخيص أسبابها، وتناول الانحرافات الإدارية الكبرى التي أسهمت في تنامي المشكلة حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولم تكن تلك الفئة من الشباب وحدها أمام الأزمة، بل تعاظمت القضية حتى أمست أحد هموم الحكومة التي تدرك انعكاسات هذا المأزق، فالإسكان يعد من أهم ما يتحقق فيه الأمن للفرد بمفهومه الواسع، اجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً. والحديث عن جشع التجار غير مقبول وغير منطقي، فثمة أسباب معروفة أدت إلى تضخم الثروة عند فئة دون أخرى.
* ليس من المستغرب على الإطلاق أن ترتفع أسهم (وزارة العدل), وليس من المستغرب كذلك أن ترتفع أسهم (وزارة التجارة)، فالأولى أعلنت عن صكوك مشبوهة وأخرى تم نقضها، والأخرى حمت المواطن من أساليب الغش التجاري والاستغلال والاحتيال الذي تمارسه بعض الشركات والمؤسسات، وكل هذه وتلك محركة للرأي العام، ومدعاة لتفاعله وتقديره للجهود. ومع هذا، لا يعني أن هذه الوزارات عملت، أو أسهمت في هذا الضبط، لكنها لسبب أو آخر لم تستطع إبراز دورها المحوري في هذا المجال.
* هذا ما يتصل بدور المواطن، أما الكتاب والنخب الثقافية فربما يعزى تجاهل بعضهم للتعليق على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام 2014م، إلى أسباب قد يكون منها أن التقدم الذي أحرز لا يليق ومكانة المملكة العربية السعودية، وما تمثله من ثقل ديني، وسياسي، واقتصادي، إضافة إلى أن بعض الكتاب لا يلامس إلا مكامن الخلل منطلقاً منها إلى الإصلاح المنشود بأدوات نقدية راقية ومعتدلة.
* ومع هذا كله، فإن الكاتب والمواطن كذلك يريدان معرفة المجالات التي بنت عليها منظمة الشفافية قياس المدركات، ومكامن الخلل لدينا، ومن المسؤول عن كل مجال؟ ومال الذي اتخذ حياله؟ هذه المكونات، أو تلك العناصر جميعها مغيبة عنهم، وربما لا يعرفون من الجهة العليا المخولة بمتابعة مؤشر الشفافية. وهناك مسألة أخرى لا تقل أهمية عن ذلك، وهو أن الكثير مغيّب أو يجهل الموارد المالية للدولة، ولا كيفية إدارتها، فالشفافية شبه مفقودة، والمعلومات ضئيلة، والمناقشة في بعضها أشبه بالمحظور، أمام هذا الواقع قد نلتمس للكاتب والمواطن العذر في حجم التعاطي أو التفاعل الإيجابي مع مؤشر منظمة الشفافية الدولية.
* المؤمل أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه كل مواطن، وكل مؤسسة حكومية، وكل مسؤول، وكل كاتب ومثقف هو من يتابع بدافع وطني نتائج هذا المؤشر، ويحتفي بالنجاح إن تحقق.