بدأت في المقالات السابقة طرح موضوع مساهمة أرامكو في دعم مجتمعها المحلي ضمن برامج المسؤولية الإجتماعية التي تتبناها، وكيف أن ذلك الدعم تراجع لصالح مبادرات أخرى. أكمل اليوم بمزيد من التحليل حول الأسباب التي قادت إلى تراجع أرامكو في خدمة مجتمعها المحلي.
الدكتوره فوزية البكر - تعقيباً على مقال سابق- ترى أن توجه المجتمع نحو التطرف والتزمت أو التنازع الفئوي، دفع أرامكو للانكفاء على ذاتها والتراجع عن الالتحام والتفاعل مع مجتمعها، بما في ذلك تقليص مساهماتها المجتمعية. باعتبار أرامكو شركة ربحية خشيت على هويتها وأعمالها من نزعات التطرف والصراع الطائفي. وتضيف مبرراً ثان يتمثل في أن أرامكو ربما لم ترغب في مزاحمة المؤسسات الرسمية في أعمالها، باعتبار مساهماتها الأول كانت في بداية التكوين لتلك المؤسسات. القيام ببرامج المسؤولية الاجتماعية لا يتعارض مع العمل الرسمي، بل يدعمه ويكمله، ولا زالت الوزارات والقطاعات الرسمية تنشد دعم أرامكو في تنفيذ مشاريعها. و عليه فربما لا يكون ذلك سبباً رئيساً لتنازل أرامكو عن الاستمرار والتوسع في تنفيذ المشاريع التي تخدم مجتمعها المحلي؛ مدارس، مراكز صحية، مخططات سكنية، إلخ.
تراجع أدوار أرامكو في خدمة المجتمع المحلي يأتي كمؤشر على ضعف ووهن قوى المجتمع المحلي ذاته. هذا مجال دراسة تنموية واجتماعية وإدارية يستحق مزيد من التمعن والبحث، لكن الملاحظة هي سطوة المركزية في نظامنا على حساب تكوينات المجتمع المحلي الفاعلة. ليست أرامكو وحدها بل القطاع الخاص والأهلي بأكمله نجد مساهمته محدودة في تنمية المجتمع المحلي، وغالبية المساهمات إما دعائية أو ذات مصالح تجارية مباشرة أو غير مباشرة، بما في ذلك محاباة المسؤول الحكومي في بعض المساهمات الشكلية..
أرامكو مثل غيرها من مؤسسات القطاع الخاص وجدت أنه لا يوجد عائد ربحي يدفعها للمساهمة في التنمية المحلية، وبالتالي فمن الأفضل التخلي عن المثالية في هذا الجانب والاكتفاء بإرضاء الحكومة المركزية. التقى هذا الأمر مع مصلحة الحكومة المركزية المتمثلة في الاستعانة بأرامكو في تنفيذ بعض المشاريع ذات الأولوية بالنسبة لها. بمعنى آخر في ظل تواضع تنظيم المجتمع المحلي وتبادل المصالح بين الشركة والحكومة المركزية، لم يعد أحد يكترث لمساهمة الشركة في تنمية المجتمع المحلي.
السبب الآخر لتراجع أدوار أرامكو في تنمية المجتمع المحلي يعود إلى غياب أو ضعف التشريعات الدافعة لذلك، حيث لا يوجد نظام ضريبي يدفعها لذلك كما يحصل في الدول الأخرى ولا يوجد نظام مسؤولية اجتماعية أونظام بيئي إجباري تنفيذه من قبل الشركات والمؤسسات.
السؤال الذي ربما يطرحه احدهم؛ وهل كانت هذه التشريعات موجودة أو كان المجتمع المحلي أكثر نضجاً؟ هنا نشير إلى أن ارامكو في بدايات نشأتها كانت تديرها عقليات أمريكية جاءت لتطبق ثقافة متعارف عليها في قطاع الأعمال بأمريكا. كانت تتبنى مبادرات محلية ذاتية مبنية على ثقافتها، آنذاك وليست مجرد تجاوب لضغوطات قانونية. للأسف، القيادات السعودية اللاحقة لأرامكو، حتى وإن درست بالغرب، لديها ثقافة (براقماتية) مختلفة لا تؤمن بالمساهمة في التنمية المحلية دون عوائد ربحية أو دعائية، و تتجنب المبادرة الذاتية، طالما لم تفرض عليها بالقانون أو توجيهات السلطات العليا.
هذه حقيقة مزعجة لكنها تبرز المقولة التي ترى بأن الثقافة تتطلب أجيالاً لغرسها وجعلها نموذج حياة في أي مجتمع، والدليل أن أرامكو غير قادرة على الحفاظ على الفكر الثقافي الذي بدأته في مراحلها الأول.
تلك وجهات نظر أطرحها، ولعل المعنيين والمهتمين بما فيهم أرامكو وقادتها السابقين واللاحقين يشاركوننا الحوار حولها.