منذ أنشئت هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» قبل أربع سنوات ونحن نتحدث عن الفساد وكأنه يخص عالمًا آخر غير عالمنا الذي نعيشه. نتهامس، ثم تتعالى أصواتنا لنشير بأصابع الاتهام لكل
«هامور» ثري ونتهمه بالإثراء غير المشروع. نركز أيضًا على أصحاب المراكز وضلوعهم في الفساد بالمشاركة مع معاونيهم، وتمتد ألسنتنا لجهات داخلية وخارجية ودور كل منها في فساد أدى إلى أن تحتل المملكة في هذا العام تحديدًا المركز الخامس والخمسين عالميًا والثالث عربيًا وفق ما ورد في تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2014.
مثل هذا الطرح لا يخدم إطلاقًا إستراتيجية مكافحة الفساد لأنه أولاً يقسم المجتمع إلى فريقين، حيث غالبية تدعي أنها مثالية نزيهة وشريفة، وقلة متهمة بأنها فاسدة يجب على الدولة الكشف عنها ومعاقبتها والتشهير بها. وثانياً: لأن هذا الطرح ينظر من زاوية واحدة ويترك زوايا كثيرة جدًا فعوامل انتشار الفساد لا تختزل بهذه الطريقة فالباحث في الفساد سواء المالي أو الإداري عليه ألا يغض الطرف عن عوامل كثيرة بعضها نتاج سوء إدارة والبعض الآخر يتحمله أي مواطن منا لمشاركته المقصودة أو غير المقصودة في الفساد. نحن شركاء شئنا أم أبينا إما بسكوتنا والاكتفاء بالمشاهدة من بعد أو المشاركة في الفساد بإباحة أمور ليس لأنها جائزة شرعًا ونظامًا ولكن لأنها تخدم مصالحنا في حينها، لكن عندما تتحول بوصلة المنفعة باتجاه آخر فالويل كل الويل للمنفع والمنتفع، هنا فقط ننتقد بل ونتهم ونشجب بأسلوب ليس للمثالية دور فيه، بل لأن النفع قد ذهب باتجاه آخر.
في نظري فإن الفساد الذي طوح بنا إلى هذه المرتبة المتأخرة في تقرير الشفافية العالمية تتحمله جهات رسمية وأخرى مجتمعية تصل في أحيان إلى أفراد عاديين بسبب سوء في الفهم أو الممارسة. النظام الحكومي العام ببطء إجراءاته وضبابية لوائحه وغياب معاييره أو عدم ثباتها يتحمل جزءًا لا يستهان به من الفساد فهو من جانب يحفز الناس للقفز عليه ويغري المسؤول بتجاوزه والعبث بالقرارات لضعف المتابعة والمحاسبة، ولذلك تنتشر في الدوائر البيروقراطية الواسطة مثلاً في محاولات لتسريع المعاملات أو الحصول على حق مكتسب أدى إلى تأخير الحصول عليه طول الإجراءات وكثرة التواقيع أو الظفر بوظيفة حتى ولو كانت على حساب آخرين أحق. المراجع هنا يشارك في ارتكاب مخالفات في محاولة للحصول على ما يرى أنه حق له بأسرع وقت وأقصر طريق. قائمة الممارسات الخاطئة والمساعدة على تنامي الفساد طويلة ومنها المحسوبيات وما يسمى بالإكراميات وطرق الحصول على شهادات من جامعات وهمية وغيرها.
عندما طورت بعض الأجهزة الحكومية إجراءاتها وحولت أغلب معاملاتها إلى تعاملات إلكترونية أصبحنا لا نحتاج حتى للذهاب لتلك الدوائر، خذ مثلاً استخراج التأشيرات وجوازات السفر وحتى دفع الفواتير وخدمات الهاتف والجوال أصبح طلبها يتم عن طريق الإنترنت وكذلك طلبات التوظيف والقبول في الجامعات ربما بقي علينا تجديد اللوائح وتفسيرها، وتحديد المعايير لنساعد الناس على سلوك الطرق الصحيحة التي تحد كثيرًا من انتشار الفساد.
على هيئة مكافحة الفساد أن تعمل جهدها بالتعاون مع الجهات المعنية لتخليص العمل الحكومي من الإجراءات الطويلة والمعطلة لمصالح الناس كيلا يجد البعض سبيلاً لكسر النظام بأسباب منها التعقيد والتسويف وبطء الإنجاز.