عديدة هي محددات تشكيل هوية المجتمع وتكوينه، وبلورة سماته وخصائصه، من تلك المحددات، خمس رئيسة، الدين المتوافق مع الفطرة، التعليم المنتج للمعرفة، الإعلام الملتزم بالقيم والحرية و تجديد الفكر وتنويعه، مؤسسات المجتمع المدني المتنوعة في مجالاتها وأوجه نشاطها التي تدفع عجلة التنمية في شتى مجالات الحياة، والمرأة باعتبارها النصف الأهم في بنية المجتمع، فهي محضن التنشئة المجتمعية وجوهر الحياة الأسرية واستقرارها.
من المحددات الخمس السابقة تستطيع أنت وأنا وهو بكل بساطة أن نتعرف على هوية أي مجتمع من خلال مدى التوافق والتوازن والانسجام بين تلك المحددات، ومدى العناية بتلك المحددات والاهتمام بها واحترامها من قبل أفراد المجتمع.
إن تثمين المجتمع للمرأة بصفة خاصة، ووضعها في المكان اللائق بها، تقديرا واحتراما، عرفانا و إجلالا، يتبدى جليا في إكرامها والمحافظة على كينونتها وكيانها، وفي تمكينها من نيل حقوقها كافة، وسن التنظيمات والقوانين التي تكفل لها حياة كريمة، وتشريع كل ما يسهل وييسر سبل ممارسة أدوارها المتوافقة مع فطرتها وطبيعتها، دون تهميش يحرمها من حقوقها وممارسة واجباتها، ويجعلها عالة على غيرها، وتابعاً مسلوب الحرية والإرادة، أو يثقل عليها ويحملها أعباء فوق طاقتها، ويلزمها بمهمات ليست من مسؤولياتها، تحت ذرائع ومسوغات واهية غايتها إخراج المرأة من إطارها القيمي والأخلاقي الذي يضمن لها حياة كريمة، إلى إطار مجلوب غريب عن محيطها الثقافي، إطار منحوت بصورة مشوهة ينفر منه أدنى الناس تذوقاً، ينفر منه لكونه يتعارض مع أبسط معايير الكرامة التي تربى عليها وآمن بها، الكريم لا يقبل بحال أن تهان المرأة تحت أي عنوان، أو أن تسخر وتستغل للتسويق أو التمرير.
من أكبر التحديات والعقبات التي تواجه رسم صورة واقعية متوافقة للمرأة في مجتمعنا مع الثابت الشرعي والموروث القيمي الجمعي، ذاك الصراع المحتدم والعنف اللفظي بين موقفين كل واحد منهما يرى نفسه - بل ينصب نفسه - مدافعاً بإخلاص عن المرأة وحقوقها، فإذا هي بحال صعب وسط تجاذبات قولية، وحماسات منفعلة اختلط فيها الحابل بالنابل، أحد الفريقين يسعى بلا حدود إلى تكسير كل عقبة تقف حائلاً دون مشاركة المرأة وإخراجها إلى الإطار المنشود، هذا الفريق لا يتوانى في إثارة المواقف وتأزيمها، وصناعة الأحداث الهامشية وتضخيمها، وجعلها في مرتبة متقدمة في سلم الأولويات المجتمعية على الرغم من كونها ثانوية ليست ذات قيمة ولا أثر في قائمة الحقوق المعتبرة التي لا تستقيم حياة المرأة بدونها، لكنه الهوى عندما يطغى، يصم الآذان، ويعمي العيون عن رؤية الحق.
الفريق الآخر، سندان صلد صلب يكافح وينافح مستنداً في موقفه ورؤيته لملامح الصورة المجتمعية للمرأة إلى الثابت الشرعي والموروث القيمي، فهذان المعياران يحترمهما عامة الناس، ويقدرانهما لكونهما يحافظان على المرأة ويحميانها من أطر الشر المتوقعة من خروج المرأة عن الإطار العام الذي تقبله المجتمع وارتضاه ومازال يؤمن بأهمية المحافظة عليه، لاسيما وأن كافة الشواهد التي عاشتها كثير من المجتمعات تؤكد أن ما يسعى إليه الفريق الآخر لم تجن منه تلك المجتمعات سوى الويلات والحسرات وصور بغيضة من التمرد والانحلال.
لو تتبعت ما يطرحه الفريق المنادي بتمكين المرأة، بين الحين والآخر لوجدته لا يتعدى في الغالب جملة من الأمور التي أقل ما يقال عنها أنها هامشية لا تستحق كل هذه الإثارة والضجيج، خاصة إذا ما قورنت بأمور تعد أكثر أولوية وأهمية بالنسبة للمرأة، التي يأتي في مقدمتها، الإيذاء الجسدي، التعدي على الحقوق، التعسف في الطلاق، هذه الأمور وغيرها تحتاج إلى تشريع وتنظيم مستعجل جداً يحفظ للمرأة حقوقها، ويحافظ عليها من تسلط الرجل وظلمه، أما حرق المراحل فيعد حماقة عواقبها حتماً كارثية وخيمة.