أشعرتني إمكانية مناقشة مصطلح (السياسة السكانية للمملكة والمباعدة بين الولادات والصحة الإنجابية) في إحدى جلسات «الشورى» بأننا في بلد حضاري لديه استراتيجية وتخطيط نوعي يستهدف الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيه.
وموضوع (المباعدة بين الولادات) يعد موضوعاً حيوياً، بل ينبغي أن يكون من أولويات المجلس، ويسبقه ويتزامن معه توعية شاملة ومستمرة للمواطنين بحيث تفكر الأسرة قبل إنجاب طفل بمستقبله ومسيرة حياته وطريقة تربيته وتعليمه وعلاجه تبعا للتغيير الاجتماعي الذي طرأ على شكل الأسرة وحولها من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية.
فقبل خمسين سنة، لم يكن يرافق الزواج التفكير بتهيئة السكن ولا كيفية المعيشة لأن الزوجين الجديدين يسكنان عادة مع أسرة الزوج التي تضم أكثر من أسرة صغيرة داخل العائلة الكبيرة، ويتكفل الوالد الكبير بالنفقة على جميع أفرادها من الأبناء والأحفاد الذين يتكاثرون ويقومون بمساعدة أهاليهم بالعمل تلقائياً، إما بزراعة الحقل أو الرعي أو الأعمال الحرفية، فهم يعدّون رافداً اقتصادياً وليسوا مستهلكين فقط، وكلما تكاثرت أعدادهم كلما زادت الأيدي العاملة المنتجة.
وبعد الهجرة للمدن وما صاحبها من تعقيد أنماط وأشكال الحياة واعتماد الأبناء على أنفسهم بتوفير السكن والمعيشة لأسرهم، يرافقها شح الوظائف الحكومية وتفشي البطالة وكثرة أعداد السكان وضعف الخدمات الحكومية كالمدارس التي اكتظت بالطلبة، وصعوبة الحصول على خدمة طبية مناسبة؛ أصبح من الصعوبة توفير الحياة المناسبة لأفراد الأسرة في ظل التوق لتعليم الأبناء في مدارس ذات تعليم نوعي، وعلاجهم في مستشفيات متخصصة، فضلاً عن دخول الترفيه كضرورة تتطلبها الحياة المدنية، وكل ذلك يستنزف ميزانية الأسرة ويجعلها في مواجهة شاقة.
والحق أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية المحيطة، والتحديات التي تواجه بلدنا، فضلاً عن انشغال الأسرة عن تربية أولادها سواء بطول وقت العمل للزوجين خارج المنزل أو بضعف تحمل المسؤولية من لدن الوالدين تجاه أبنائهما؛ فإن المباعدة بين الولادات على المستوى الأسري ستكون ذاتَ مردود اقتصادي وتربوي وصحي، ويجعل من الممكن تهيئة حياة كريمة هادئة للأسرة بعيداً عن المفاجآت غير المحسوبة.
وعلى المستوى الحكومي فإن تنظيم النسل سينعكس إيجابياً على سير خطط التنمية وسيكون باستطاعة المؤسسات الحكومية تقديم خدمات نوعية وجيدة للمواطنين.