إنّ إطلالة مجلس الشورى منذ بضعة أيام والتي أشرقت بحزمة توصيات، كَانت متألقة لمست معاناة المواطنين والمواطنات. من ضمن تلك التوصيات، التوصية التي أقرّها غالبية الأعضاء بالإجماع بخصوص رفع مبلغ بدل النقل الذي تتقاضاه الموظفات السعوديات في القطاع العام نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة،
حيث بلغت معدلات التضخم نسباً عالية جداً، بالإضافة إلى استمرارية حظر قيادة المرأة للسيارة ما يكبدها مبالغ كبيرة تستقطع من راتبها من أجل وصولها لمقر عملها.
هذه واحدة من التوصيات التي تجعلك تشعر بأنّ المجلس يعايش معاناة شريحة واسعة من المجتمع، وهنّ النساء اللواتي ما فتئن يحاولن بشتى الطرق السلمية من أجل الحصول على حق لا يتعارض مع أي فطرة سليمة أو قانون إنساني سليم.
إنّ بدل النقل الذي تتقاضاه الموظفة السعودية في القطاع العام منذ عقود والذي يعادل 600 ريال، كان معقولاً في ظل ظروف معيشية معينة، ولكن في هذا الوقت المعاش والذي بلغ فيه التضخم معدلات عالية جداً، لن يكفي هذا المبلغ راتب السائق، ولا أجرة نقل الموظفة من بيتها لعملها وذلك عند استخدامها وسائل النقل المتاحة كالليموزين مثلاً. لقد أصبحت كلفة استقدام السائق المنزلي تتجاوز الـ 4000 ريال شهرياً وراتبه أيضاً قفز لأعلى من 1500 ريال شهرياً.
ناهيك عن «بدل الخطر» الذي يجب أن تتكبده الجهات المسؤولة عن المنع أيضاً نتيجة وجود سائق بين أفراد الأسرة في المنزل، بالإضافة إلى خطر نقل المعلمات اللواتي يتم تعيينهن في مدارس تبعد عن بيوتهن مئات الأميال، حيث أخطار الطريق ما تزال حاضرة أمامنا بشكل يومي من حوادث مركبات إلى حوادث تحرش السائقين، فنزيف دماء المعلمات اليومي على الطرق السريعة لا يزال حاضراً ولم يجف.
ولا ننسى كذلك «بدل إجبار» حيث يجب أن تتم المطالبة أيضاً بإعفاء المرأة من رسوم وتكاليف استقدام سائق، لأنها تقوم بذلك مجبرة وليست مخيرة، فهي تدفعها مكرهة لأنها تستطيع القيام بهذه المهمة وقد تم تكبيلها ومنعها، فلتدفع الجهات الحكومية تلك التكاليف.
إنّ إثارة مواضيع كهذه هي ظاهرة صحية وخصوصاً عندما تطرح في داخل أروقة المجلس، حيث يتم الضغط على الجهات المعنية بأن تتكفل وتدفع ضريبة المنع، وبالتالي تنتقل تكاليف منع المرأة من القيادة عن كاهلها إلى كاهل ميزانية الدولة، وتنقلب قضية القيادة من قضية اجتماعية إلى قضية اقتصادية، لعل وعسى أن يكون لها صدى ووقع أقوى على متخذي القرار عندما تصبح تلك القضية مرهقة لميزانيتها.