بعيدا عن حفلات المديح والإطراء والتفاخر بالأمجاد التليدة، وبعيدا عن الاتكاء على الماضي السحيق الذي أفل، وبعيدا أيضا عن الندب والبكاء وإدرار الدموع على واقع مؤلم للغة بني يعرب التي يتحدث بها ما يقرب من نصف مليار من البشر؛ لنخرج من تلك اللحظات التمجيدية الباذخة ولنضرب صفحا عن تلك المشاعر من الأسى والحزن الدامية على لغة أمة مأزومة لا في تراثها العظيم ولا في قيمها وأخلاقها ومكارمها وروحها الإنسانية الرفيعة؛ لا، بل إنها مأزومة في ذاتها الراهنة لا الماضية، وكأنها لم تكن هي تلك التي ننشد فيها قصائد المديح، كأنها لم تكن هي تلك التي أشرقت الأرض بما تحمله من قيم ومكارم وإبداع وتحضر، كأن الذات العربية والمسلمة المأزومة المتطاحنة الغارقة في ظلمات الأيديولوجيات والانقسام والاقتتال والشتات ومقاومة الحياة والانغماس في الموت؛ لم تكن هي تلك التي تمجد الحياة وتزرع شتلات النمو والبناء والعمران والتحضر!
لننتقل من كل ذلك إلى ما يمكن أن يرتفع باللغة المهضومة التي اضطهدها أهلها الأقربون قبل الأغراب الأبعدين؛ فأقترح عددا من الأفكار التي أتمنى أن يؤخذ بما يمكن تطبيقه منها:
- مراجعة نظام تعليم اللغة العربية، من حيث مستوى الأساتذة وأساليب إيصال المعلومة اللغوية، وتيسير القواعد والابتعاد عن التفاصيل المملة المشتتة، وأعني أن الاكتفاء بقاعدة للطلاب غير المتخصصين في أقسام اللغة بالجامعات.
- مراجعة ظاهرة الضعف اللغوي التي لا تخفى حين يتحدث خطيب أو ملقٍ أو مذيع أو كاتب، وما تحفل به التغريدة التي لا تزيد على مائة وأربعين حرفا من أخطاء شنيعة في معظم ما ينشره «تويتر» لدكاترة ومثقفين ولكتاب من طبقات المتعلمين كافة، أوضح دليل على تردي تعليم اللغة العربية في مدارسنا.
- توجيه اللائمة لمن يسخر أو يستهزئ بمن يتحدث اللغة العربية الفصيحة المبسطة من العلماء والأدباء، ومواجهة تلك السخرية التي نلحظها أحيانا طافحة في بعض المجالس أو على وجوه الأبناء أو في التمثيليات والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية.
- التخفف من الغلو في التحدث باللغة العربية بطريقة تنافي لغة العصر المثقفة المبسطة، والابتعاد عن استعمال الغريب والمهجور في الخطابة أو الكتابة عند بعض العلماء أو الأدباء الغارقين في الموروث.
- وضع اختبار قياس اللغة ضمن العلوم والمواد التي يمتحن فيها الطلاب للقبول في الجامعات.
- التشدد في اختبارات المتقدمين للعمل الإذاعي والتلفزيوني، وتدريبهم التدريب الكافي لغويا وإلقائيا على أيدي متخصصين أكفاء.
- إحداث إدارة باسم «المراقبة اللغوية» في أمانات المدن والبلديات وكذلك وزارة التجارة، ومهمتها منح الرخص بعد إجراء الاختبارات اللازمة للخطاطين، ومراقبة ما ينشر من لافتات إعلانية، وإلزام الفنادق والمطاعم بجعل اسم المطعم أو المقهى أو المحل بالعربية أولا وبخط بارز ثم الإنجليزية ثانيا، ومراقبة قوائم الطعام؛ بحيث تكتب بالعربية أولا ثم الإنجليزية، ومن خالف ذلك يعاقب.
- إحداث إدارة «المراقبة اللغوية» في كل الوزارات والأجهزة والشركات الكبرى لمراقبة ما ينشر فيها من كتب ومطويات وإعلانات ونشرات، وتدقيق الترجمة من الإنجليزية إلى العربية أو العكس؛ مثل: وزارات الداخلية، والدفاع، والشؤون الإسلامية، والحج، والبترول، والثقافة والإعلام، والتعليم العالي، والزراعة، والصحة، والنقل، والشركات: أرامكو، سابك، الكهرباء وغيرها.
- إحداث وظائف بمراتب جيدة ومرتبات مجزية لخريجي أقسام اللغة العربية في الجهات التي تنشأ فيها إدارات المراقبة اللغوية، وفي الجهات الإعلامية المختلفة؛ للحد من ضعف الإقبال على أقسام اللغة العربية في الجامعات.
- الحد من ظاهرة استفحال القنوات الشعبية، وشيوع الحوارات بالعامية في وسائل الإعلام المختلفة.