أسجل تقديري لسمو وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل لمباشرته الجريئة لملف المعلمات في المناطق النائية، وهو الملف الذي ظل معلقاً طيلة السنوات الماضية برغم الحوادث اليومية الدامية. ظل الملف معلقاً وعصياً على كثير من قيادات الوزارة السابقين، بل إن الأمر وصل لوقوف من يعنيهم الأمر موقف العاجز أو المتفرج، وربما انعدمت الحلول لديهم إما لضعف في تفهم المشكلة أو حتى الإحساس بها فاستمر نزيف الدم يجري مدراراً بسبب انتقال المعلمات اليومي من المدن العامرة إلى القرى القصية النائية ذهاباً وإياباً يخرجن قبل الفجر ويصلن لبيوتهن في المساء في رحلات متعبة مضنية محفوفة بالمخاطر.
يُحسب لسموه إحساسه العالي جداً بالمشكلة، واتخاذه لقرارات سريعة حتى ولو كانت مؤقتة على الأقل تقلل من نسبة الحوادث وتزيد من مساحة الأمل بحلول جذرية للمشكلة، فليس مناسباً وقوف الوزارة موقف المتفرج رغم أن هناك جهات تتحمّل بشكل مباشر المسئولية مع وزارة التربية مثل وزارة النقل، فسوء أحوال بعض الطرق لتلك القرى النائية وضيق مساراتها إضافة لعدم وجود وسائل نقل آمنة من الأسباب الرئيسة في وقوع الحوادث وتكرارها.
القرارات التي اتخذها سموه لقيت أصداءً متباينة بين مؤيدين ومتحفظين، فتقليص دوام المعلمة لثلاثة أيام مع تكييف الجداول الدراسية في المدارس النائية يقلل من مرات الانتقال وبما يمنح احتمالاً متوقعاً بتخفيض نسبة الحوادث ويتيح للمعلمة التمتع بأربعة أيام إجازة في الأسبوع تمكّنها من البقاء مع أسرتها أطول فترة ممكنة والإيفاء بكثير من واجباتها، لكن ضغط الخطة الدراسية وبما يقلل من عدد الحصص ويحجّم من كثافة المادة العلمية، سيؤدي حتماً وعلى المدى البعيد لتقليل حصيلة الطالبات العلمية ويضعف من قدراتهن.. لذلك سيطرح السؤال الملح، وهو هل سيتوقف نزيف دماء المعلمات بناء على هذه القرارات التي ستضعف من المستوى العلمي للطالبات؟.. ثم يردفه سؤال آخر فبناءً على السلبيات المتوقعة هل توجد ثمة حلول أجدى بحيث تكون عملية أكثر وحاسمة كي يغلق هذا الملف المزعج إلى الأبد؟
المبشر أن سمو الوزير قد شكّل لجنة برئاسته شخصياً لمواجهة تبعات هذا الملف الخطير تواصل أعمالها لإقرار أي حلول تساهم في تأمين وسلامة المعلمات، وبما أن الوزارة جادة في سبيل إنهاء المعاناة ووقف حمامات الدماء المراقة إلى الأبد، فإني أطرح أمام اللجنة بعض الرؤى لعلها تساعد في بلورة صيغة نهائية لحل هذه المعضلة.
قد تبادر وزارة التربية لفتح حوار مع وزارة النقل للتوصل إلى حلول جذرية لإصلاح الطرق المتهالكة المؤدية لبعض القرى النائية وتحويلها لطرق مزدوجة سريعة ومختصرة وتأمين نقل جماعي مؤسسي مريح يعمل ضمن شبكة متكاملة مع منع أي نقل خاص لا يعمل ضمن هذه الشبكة. يمكن للوزارة وضع خطة مستقبلية لإعداد جيل من المعلمات من بنات تلك المدن والقرى النائية، وفي عملية إحلال ستحقق الاكتفاء خلال سنوات. يمكن أيضاً السعي لتحفيز المعلمات وأسرهن بالإقامة الدائمة في تلك القرى إذا ما وفرت وحدات سكنية بأسعار مخفضة أو وحدات سكنية للتمليك عن طريق وزارة الإسكان، ويمكن التفكير في منح بدل سكن كبديل عملي محفز لكن بشرط أخذ تعهدات بالإقامة الدائمة. هذه وغيرها حلول عملية دائمة قد تحل المشكلة وأفضل من الحلول الوقتية والمسكنات.