لم نعد نسمع عن تزوير صك بعشرة آلاف متر مثلا، لقد بلغ الشره والتغول في كسب المال الحرام بأيسر وأسرع الطرق إلى الاستيلاء على مساحات من الأراضي البيضاء داخل المدن مخصصة للخدمات؛ كما حدث أخيرا في مدينة الرياض حيث زور كاتب عدل ثلاثة مواقع مخصصة لمدارس في أحد أحياء مدينة الرياض لعدد من التجار، وكما فعل متنفذ آخر حيث أحالت وزارة العدل إلى محكمة الاستئناف في الرياض «صكاً يعود لأحد كبار المسؤولين السابقين، تم تطبيقه على إحدى الحدائق بقرار تنفيذي منه لنفسه، حيث كان رئيساً لإحدى أهم الجهات التنفيذية ذات العلاقة» وهذه صكوك 110 ملايين متر مربع مزورة في الرياض وجدة ومكة ألغتها وزارة العدل، كما ألغت في جدة بموقع رئيسي صكا مزورا لرجل أعمال شهير سطا على أرض بلغت مساحتها ثلاثة وثلاثين مليون متر مربع بقيمة تصل إلى تسعين مليار ريال أقدم على تزوير الصك قاض سبق فصله لارتكابه جرائم سابقة من هذا النوع!
وفي خبر آخر تلغي وزارة العدل عددا من الصكوك المزورة في مدينة الرياض بلغت مساحاتها نصف مليار متر مربع بقيمة قدرت بأربعمائة مليار ريال.
ويشير مجمل إحصائيات وزارة العدل أنه خلال عام ونصف فقط تم إلغاء مليار متر مربع من الأراضي بصكوك مزورة بلغت قيمتها تريلون ريال!
لا شك أن مرارة أشد من العلقم تملأ حناجرنا بعد سيل ما اكتشف من سرقات وتشبيك لأملاك الدولة التي هي بالتالي أملاك للمواطنين، تعود عليهم بالنفع في شكل خدمات ومرافق عامة.
ومع الشكر الجزيل الذي يزجيه المخلصون من أبناء هذا الوطن لوزارة العدل التي كانت نائمة عقودا طويلة ولم يصدر منها قبل عشر سنوات مثلا ما يخيف أو يوقف المزورين والمرتشين من كتاب العدل وذوي النفوذ؛ ولم نسمع ونقرأ عن أخبار كشف السرقات والتزوير على النحو الآنف إلا بعد مشروع تطوير القضاء وتنظيم أموره وتحديثه ومتابعة أوجه الخلل فيه وكف أيدي القضاة وكتاب العدل الذين خانوا أمانتهم عن العمل بعد تولي معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى وزارة العدل وسعيه المشكور المقدر لتنظيف مرفق القضاء من الفساد وإعادة المسروقات من المال العام إلى أملاك الدولة.
وبعد هذا الشكر الواجب وإتماما للجهد الطيب من وزارة العدل نود أن نتعرف على ما تعنيه الوزارة بقولها عن معاقبة من ثبت تورطه في جرائم التزوير أو الرشوة لما أسمته بالصكوك الطائرة أي تلك التي يصدرها كتاب عدل مرتشون على أراض غير موجودة بأرقام ليس لها أصل «ويعد هذا التصرف في التفسير القضائي جريمة تستحق الجزاء الشرعي الرادع»!
فما هو هذا الجزاء الشرعي الرادع لكل من كاتب العدل والمستفيد من التجار أو غيرهم من ذوي النفوذ ؟ وهل يعني الحكم الشرعي كف يد كاتب العدل فقط كما حدث في الحالات السابقة؟ أم يعني السجن والغرامة والتشهير لكل من تورط في الاختلاس والتزوير؛ سواء كان كاتب العدل أو التجار؟!
يتم التشهير عادة بمن يصرف شيكا ليس له رصيد قد لا يزيد مبلغه أحيانا على عشرة آلاف ريال؛ فلم لا «يشهر» بمن يزور ويسرق المليارات من كتاب عدل أو متنفذين؟!
يقدم بعض كتاب العدل كل «التسهيلات» لمن يسطو على ملايين الأمتار في أفضل المواقع؛ فتأتيهم صكوكهم في قصورهم؛ بينما يأكل الحصرم ذلك الضعيف الذي يلاحق «900» م2 ثم يجد نفسه معها وحيدا بعد سنين من المطاردة في البراري القفراء الخالية!