أعادني إلى الوراء قليلاً تصرف اللاجئ الإيراني قبل أيام الذي قام باقتحام مقهى في حي الأعمال، بالقرب من برلمان ولاية جنوب سيدني، وهو يحمل رشاش كلاشينكوف، واحتجز عددًا من رواد المقهى الذين كانوا يتناولون الإفطار وأجبرهم على رفع راية داعش،
وربما كان وراء الأكمة ما وراءها من ربط الإرهاب بما هو محسوب على السنة زوراً وبهتاناً ليتم استعداء العالم على المسلمين وأهل السنة على السواء، أعادني إلى شهر ونيف تقريباً حيث التصريح المشهور لفخامة الرئيس الأسبق ورئيس تشخيص مصلحة النظام في جمهورية إيران الإسلامية آية الله علي أكبر هاشمي رافسنجاني وهو من العقلاء الذين يدركون بواطن الأمور في قوله الأخير: «الأعمال المثيرة للفرقة بين المسلمين نتيجتها الوصول إلى القاعدة وداعش وطالبان وأمثال هذه الجماعات» وأكد أن شتمَ الشيعة لصحابة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بمقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قاد إلى نشوء تنظيمي القاعدة وداعش». وهذا ما سأقف عنده من تصريحه المهم في وأد نار الطائفية وتجريمها بكل أشكالها القذرة، ومن أجل تصريحات فخامة الرئيس تصريحات عقلانية في هذا الصدد، قوله: «إنني أرى أنه يجب على الطرفين «السنة، والشيعة» ترك المواضيع الخلافية، ولا يجب أن يتطرقوا إليها، لكي لا نُعقّد الأمور فيما بيننا»....
آفة الإرهاب لا يمكن تسطيحها ولا النحو بها منحى غير موضوعي ألبتة عن طريق ربطها بمسببات غير واقعية وبخاصة أن الأصول التي قامت عليها المنظمات الإرهابية لم تنطلق من هذه الأسباب التي ذكرها فخامة الرئيس لأن ما نراه في عالم الواقع يؤكد أن أسبابها فكرية وذات جذور لا تخفى على ذي لب وبصيرة، وتختلف عن مسببات الجريمة، وأعتقد جازماً أن ربط الإرهاب الحركي بأسباب غير أسبابه يصب في مصلحة الإرهابيين ويضفي عليهم شرعية على الأقل في ذهن الجماهير الغوغائية وحينها يستعصي معه العلاج والحل الذي ينشده العالم الحر بمختلف مشاربه، وستزداد مشاكله وتحول شخصياته من حيث لا نشعر إلى أبطال في نظر الغوغاء والدهماء ومجموعات الشباب حدثاء الأسنان بحجة أنهم يدافعون عن الصحابة وهم أبعد من ذلك وهم أحفاد من قتل الصحابة وتطاول على سيدنا عثمان أمير المؤمنين وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين لأن التشخيص الصحيح ابتداء هو الخطوة الأولى في طريق الشفاء من هذه الآفة...
إن هذا التصريح العقلاني في مجمله من فخامة الرئيس يؤكد أن أمتنا الإسلامية في هذا الوقت بحاجة إلى عقلاء يتدخلون لنزع فتيل النزاع والطائفية التي ستحرق الجميع وبخاصة حينما تحولت إلى مهدد أفسد الحياة المدنية والشعائر الدينية وأفرغ الأمة من مضمونها الإسلامي الكبير ومظلتها الوارفة، وقبل أي تحليل فالجميع يتفق على أن سب أولئك العظماء بسبب روايات غير ثابتة ليس فيه مصلحة مرجوة اليوم، وهو ظلم كبير لشخصيات مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنها راض، وشهد لهم بالجنة رضوان الله عليهم أجمعين، كما أن الجميع يتفق أيضا على ضرورة تجريم النصب وسب آل البيت رضي الله عنهم، وأهل السنة لا يقرون ذلك النصب والنواصب، قال الشيخ ابن عثيمين (شرح الواسطية 2 - 283): « النواصب، هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم، فهم على النقيض من الروافض «وقال ابن تيمية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة (العقيدة الواسطية مجموع الفتاوى 3-154): «ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم... ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل ويمسكون عما شجر بين الصحابة»..
إن هذه الجماعات المتطرفة القاعدة وداعش وطالبان وغيرها ممن يتبنى أصول الخوارج لا تمثل أهل السنة والجماعة وتختلف في أصولها عنها، وأكثر المتضررين من هذا الفكر الإرهابي على مر التاريخ هم أهل السنة ابتداء من خلفائهم الراشدين الذين تم قتلهم بأيد تحمل أفكار التدعيش ومضامين إرهابية تعتمد على أصول الخوارج منذ القرن الأول الهجري وانتهاء بسوادهم اليوم في العراق والشام والبلاد الأخرى، وهذه الحركات موجودة في تاريخنا الإسلامي وقد اختلفت مسمياتها عبر التاريخ الإسلامي وجذورها منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث الصحيح الطويل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه: «إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأظنه قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود». والخطأ الأكبر واللبس في فهم الإرهاب هو ربط ظهور هذه الجماعات المتطرفة غير الشريفة بهذا السبب الشريف (سب الصحابة والاحتفال بمقتل أمير المؤمنين عمر) والمجمع على خطورته، وهو شعور مؤذٍ لمشاعر المسلمين قاطبة وهو افتراء لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الشعور لا يوصف حينما يسمع المسلم سب الصحابة والاحتفال بمقتل سيدنا عمر والإساءة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ظلما وعدوانا وتزويرا، ولكن هذه الجماعات أبعد ما تكون عن منهج سيدنا عمر بن الخطاب والصحابة الكرام، الذين هم بشر وليسوا ملائكة، وظهورها لأسباب تختلف وأهداف تبرز في خطابها المعلن الخالي تماماً من الموضوعية، بل إن هذا الربط مما يغري كثيراً من الشباب من التسويغ لهذه الجماعات ويشرعن وجودها بين السنة البريئين من التطرف والإرهاب، وسيتجاوز الإرهاب ضد أهل السنة إلى الشيعة على السواء، والأخطر من كل هذا أن الربط في ظاهره التحذير من الإرهاب ولكن في باطنه إدانة لأهل السنة والجماعة البريئين بالإرهاب والتكفير والذبح والتفجير وهي جرائم لم يقترفوها، وأصول لم يعتقدوها، وعقائد لم يقروها ويبرءون إلى الله جل وعلا منها ومن يتبناها علما أن تفجيرات هذه الجماعات ومواجهاتها كلها ضد السواد الأعظم من السنة المسلمين في العراق والشام ولم نسمع لهم عن أية مواجهات في الدول الأخرى التي هي على خلاف مع أهل السنة في المنهج...
إن توهم الخلاف بين الصحابة وعلي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما غير صحيح ويكفي أن أمير المؤمنين عمر كان يستعين بأمير المؤمنين علي في كثير من قضايا الأمة ونوازلها وقد استخلف عمر علياً على المدينة حينما ذهب إلى بيت المقدس وقد أخذ بمشورته وكان أمير المؤمنين عمر يقول دائما: «قضية ولا أبا حسن لها»، وكان يجل منزلة آل البيت، روى البخاري: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وكان حياً، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فسقنا. قال: فيسقون. وفي طبقات ابن سعد أن عمر رضي الله عنه قال للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: «والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، لأن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إسلام الخطاب». وعطفا عليه لا يمكن أن يصدر من سيدنا عمر أذى لآل البيت، وكل ما ورد في خزعبلات التاريخ ورواياته المكذوبة يجب التبرأ منه وإعادة النظر فيه لعدم صحته، إذ ورد في فضائل الصحابة للإمام أحمد برقم (1089) عن عروة بن الزبير: «أن رجلاً وقع في علي بن أبي طالب بمحضر من عمر، فقال له عمر: تعرف صاحب هذا القبر؟ وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب فلا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره». وكان أمير المؤمنين عمر يحب الحسن والحسين بدليل ماورد في تاريخ دمشق لابن عساكر: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دَوَّن الديوان وفرض العطاء، ألحق الحسن والحسين رضي الله عنهما بفريضة أبيهما رضي الله عنه على أهل بدر، لقرابتهما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف». وحينما طلب ابنه أن يعامل معاملتهما رفض وقال عبارته المشهورة رضي الله عنه: «ائتني بأب كأبيهما، وأم كأمهما، وجد كجدهما». وكانت هذه المعاملة الحسنة منهجا قبل أمير المؤمنين عمر ولا أدل على ذلك من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان يجل الحسين وكل آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحث الناس على ذلك، فقد أثر عنه قوله: «ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في آل بيته». وهو القائل لعلي رضي الله عنه: «لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من قرابتي». ولولا ما يراه أمير المؤمنين عمر من توقير آل البيت لما خطب أم كلثوم رضي الله عنها ولولا فضله لما زوجه سيدا أمير المؤمنين علي فقد جاء في مستدرك الحاكم عن علي بن الحسين: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم. فقال: أنكحنيها. فقال علي: إني أرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر فقال عمر: أنكحنيها! فو الله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده، فأنكحه علي، فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنئوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يا أبا الحسن! ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلا حديث سمعته من رسول: «كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري». وهذا الحب من أمير المؤمنين عمر انعكس على كثير من آل البيت فسموا أبناءهم أبا بكر وعمر وعائشة حبا ووقاراً، ولا أدل على ذلك مما ورد المصادر التاريخية عند الطائفتين الشيعية والسنة على السواء وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر «....
وأخيراً يا فخامة الرئيس... إن صرف سيدنا علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة ولم يتولها إلا رابعاً دليل على حكمة الله جل وعلا في رسم سياسة الحاكمية في الإسلام مع البقاء على فضل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم أجمعين والله من وراء القصد..