سعدت وأنا أستقل قبل أيام طائرة من طائرات شركة طيران (ناس) الجوية متجها من الرياض إلى دبي ومن دبي إلى الرياض. يكفي هذه الشركة الجوية (السعودية) الفتية فخرا أنها خلصتنا من الاضطرار إلى السفر على متن طائرات (الخطوط السعودية)، أعني الخطوط الجوية السعودية، التي عجز عن إصلاحها وتقويم رداءتها الخدماتية واعوجاجاتها كل المدراء الذين تعاقبوا على إدارتها، ولا أعتقد أن مديرها الجديد سيتمكن من إصلاحها، فالتركة التي ورثها ممن سبقه أصعب من أن يقوم بإدخال إصلاحات عليها، فضلاً عن أن يتم إصلاحها بالكامل، ولا حل - بنظري - إلا بإعادة هيكلتها بما في ذلك إعادة النظر في الجهاز البشري الكبير الذي يدير هذه الشركة.
ربما أن شركة ناس كانت تكتنفها عند التأسيس في البداية بعض الارتباكات، خاصة في دقة مواعيد السفر، وكذلك خلوها من درجة رجال الأعمال، لكنها الآن أكثر التزاما ودقة في المواعيد، كما أنها أضافت على بعض رحلاتها (درجة رجال الأعمال)، فأصبحت بكل جدارة واستحقاق تضاهي أسطول طائرات الخطوط الجوية العاملة في المنطقة. ونجاح شركة (ناس) كان على ما يظهر لأنها تتحرى الربح وتتفادى الخسارة أولا، وثانيا لأنها لا توظف في خدماتها الأرضية خاصة والجوية كذلك إلا الأكفاء والمحترفين، ومن وجدته غير كفء وغير محترف
(مسكته الباب)، في حين أن (الخطوط السعودية) تُقدم الوساطة والشفاعة والمحسوبيات في تعيين موظفيها على الكفاءة والمهنية والإخلاص في العمل، وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم، ولا الأمس، وإنما هي مشكلة مترسخة و متراكمة منذ عقود؛ حتى أصبح الموظف المخلص في هذه الخطوط المتواضعة في خدماتها (أندر من الدولار في الصومال)، فبمجرد أن يتوظّف فيها الموظف يعلم أنه (مقيمٌ ما أقام عسيبُ) ما لم يستقل من تلقاء نفسه، سواء كان مخلصا في عمله، أو غير مهتم في الوفاء بمسؤولياته العملية، مثله مثل أي موظف في أي منشأة خدماتية حكومية أخرى.
أعرف أن هناك توجها لدى الحكومة إلى (خصخصة) الخطوط السعودية، على غرار شركة الاتصالات مثلا، التي جعلتها الخصخصة تستيقظ من سباتها، وتقدم خدمات للمواطن لم تكن تقدمها حين كانت حكومية. ولكن السؤال: من هو المستثمر الذي سيقبل أن يرث ملكية هذه الخطوط من المواطنين عند الخصخصة، وهي مثقلة بموظفين وكوادر إدارية هم على وجه التحديد سبب فشلها الرئيس؛ ولو اتّبعت الخطوط السعودية قبل التخصيص سياسة (الشيك الذهبي) لتسريح غير الأكفاء كما فعلت شركة الاتصالات مثلا قبل تخصيصها، معنى ذلك أنها مضطرة إلى تسريح أكثر من الثلثين من موظفيها على أقل تقدير، ما يعني أن تكاليف الشيك الذهبي ستكون ضخمة، وتُحملها تبعات رأسمالية مهولة.
لذلك فإنني أقترح في هذه العُجالة أن تمنح شركة ناس نفس الامتيازات التي تمنحها السلطات الحكومية للخطوط السعودية بعد أن يتم تحويلها من شركة خاصة إلى شركة مساهمة مدرجة أسهمها في سوق المال، وبذلك نؤسس ناقلاً رسمياً آخر ولكن على أسس صحيحة منذ البداية، بحيث يكون قادراً على المنافسة، ولا سيما أن سوق النقل الداخلي الجوي دخلها منافسون جدد، جعلت من الإصرار على الخطوط السعودية وإبقائها رغم أمراضها وعللها المستعصية على الحل، ضربا من ضروب المستحيل.
الأمر لا يحتاج إلا إلى قرار شجاع وجريء ليس إلا.
إلى اللقاء.