كنت أنوي الخروج من بوابة مدينة الملك سعود (الشميسي سابقاً) بالرياض حين رأيته، كان أشعث أغبر، حافي القدمين، متسخ الثياب، ألقى نظرة عابرة تجاهي، بدا لي تائهاً وقد أيقنت بأنه يعاني تعباً نفسياً، حين عبر بجانب السور القصير رأى عدداً من علب المرطبات المفتوحة وقد تركها أصحابها على حافة السور، أخذ يمسك بها واحداً واحداً يُفرغ محتوياتها ويقذف بها أرضاً ثم يواصل سيره.. شعرت بحزن وألم لا أعلم لماذا ارتبط بذهني مشهد هذا التيه بكثير مما يحدث الآن في عالمنا العربي، الذي يعاني فرقة وشتاتاً لا نعلم متى ينتهي وإلى أين يؤدي بنا؟!
أعود إلى المشهد الذي استوقفني وأقول: هناك أكثر من احتمال لحالة الرجل:
قد يكون مريضاً هارباً من إحدى المصحات النفسية، وقد يكون وحيداً، لا زوجة ولا أهل ولا أبناء له وليس ثمة من يعتني به إلا الله، وقد يكون في منزله وبين عائلته ولم يذهب بعد إلى عيادة أو مستشفى، كل هذه الاحتمالات متوقعة، ومهما يكن من حال فعدا خطورة هذا الوضع سواء على الرجل ذاته أو على عائلته أو العابرين نظراً لفقدانه الكثير من الوعي والتركيز بسبب ما يعانيه، إلا أنه في الوقت ذاته يمثل صورة غير حضارية وغير إنسانية خاصة في بلاد مثل بلادنا تمتاز عن سواها بالتضامن والتكاتف اللذين يفرضهما الدين أولاً ومن ثم العادات والتقاليد، أن يصبح فيها رجل ويمسي تائهاً هائماً على وجهه في الطرقات، هذا أمر ولا شك غير معقول أو مقبول لما في ذلك من آثار سلبية على الشخص ذاته وأيضاً على المجتمع المحيط به.
ترى كم هم أمثاله من أولئك المضطربين نفسياً الذين هم بأمس الحاجة إلى الرعاية والعلاج؟! لكنهم هكذا يسيرون في الشوارع بلا هدى، وإذا كانت صحة الإنسان تعني الصحة النفسية والجسدية فما الذي قدمته كل من وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية لهم؟! في أكثر من مناسبة حين يتم طرح سؤال حول الصحة النفسية على مسؤولي الصحة يجيبون بسرد أعداد الأسِرة والمستشفيات في المدن المختلفة وعن الخطط المستقبلية، وليتهم بدلاً عن تقييم الوضع من خلال التقارير السنوية والشهرية النزول إلى أرض الواقع لتدارك الكثير من الأوضاع الخاطئة.
***********
** (لعلكم أحياء / لعلكم أموات ..
لعلكم مثلي بلا عنوان ..
ماقيمةُ الإنسان / بلا وطن / بلا علمٍ / ودونما عنوان ..
ماقيمةُ الإنسان؟) - محمود درويش -