هل منظومة (الصواب والخطأ) متغيّرة بتغيُّر الظرف (الزمان والمكان مثلاً؟) هل يمكن أن يكون الكذب في ظرف ما ممدوحاً ثم يكون مذموماً في ظرف آخر؟ الازدواجية أو الكيل بمكيالين علّة قد يصاب بها كل فكر تابع لأي مدرسة ما، لأنّ التقييم قد يكون خاطئاً أو مختلاً مع اختلاف الظرف، وهذا ما يجعل الأمور تبدو على خلاف واقعها. أو أحياناً كون الظرف خلاف المعتاد (مُستحدثاً) يجعل أمر القياس صعباً. الحداثة مأزق الفكر النسقي لأنه يرتبك في مسألة القياس بسبب ثقل حركته في التغيير وإدراك الحاجة له. نذكر - مثلاً - اعتراض البعض على عمل المرأة كبائعة أو»كاشييرة» فقط بسبب تبديل الأماكن. فبدلاً من أن تقتني السلعة وتدفع القيمة. أصبحت تبيع السلعة وتستلم القيمة. هذا ما أربك الفهم السائد وأخّر قبوله للأمر. لا أتحدث هنا عن تيار ولا أنسب النسقية لفئة دون أخرى. فحتى أصحاب الفكر الحر يصابون بالنسقية بعد حين إذا ما سمحوا للأفكار بالركود. دونما حرص على تحريك المياه لئلا تأسن!
«حقوق المرأة» فكرة تقدمية. لأنّ المجتمعات المتحضرة تُعَاير بمدى تمكين المرأة فيها وصون حقوقها ومساواة فرصها بالرجل. ولكن ككل فكرة مهددة بأن تتحول إلى طوطم محفوف بالقداسة ومن ثم رجم المخالفين بالتهم. فهل أصبح كل قرار له صلة بتقنين عمل أو لباس أو منهج بالمرأة هو مناهضة لحقوقها؟
مطلع هذا الأسبوع تم تطبيق قرار «هيئة الإذاعة والتليفزيون» لتحديد الزي الوطني لمذيعاتها. بعد تداول المقترح على طاولة مجلس الشورى، وبعد أخذ وجذب. لا يهم الآن الجهة التي أصدرت القرار، ما يهمني هو تضخيم الأمور وتحويل كل ما يحوم حول المرأة إلى قضية جدلية يتنازع عليها التياران الأكبران (الإسلاميون والليبراليون) لتحويل المرأة إلى حجر نرد، يرميه كل طرف لكسب عدد أكبر من النقاط، وليس أكثر من هذا! وإلا لو حللنا الأمر سنجد أسباباً منطقية لتوحيد لباس المذيعات. أولاً: «اللبس الموحّد» هو ما يجمع منسوبي الكيانات تحت لباس واحد يعبّر عن الانتماء لهذا الكيان أو المؤسسة مثل التلاميذ وطاقم التمريض وأفراد الشرطة وأعضاء الفريق الرياضي. ثانياً: «اللبس الرسمي» والعباءة هي اللباس الرسمي للنساء في المملكة وهذا الأمر لا علاقة له بالخيارات والرغبات إنما بالنظر للواقع. العباءة هي اللباس التي أصبحت المرأة السعودية تُعرف به خلال المئة سنة الأخيرة، هذا ما يجعلها لباساً رسمياً وليس زياً شعبياً تراثياً (هناك فرق بين اللباس التراثي واللباس الرسمي). ثالثاً: «اللبس الوطني» وهو اللبس الذي يعبّر عن الوطن، بحيث يعطي إشارة مباشرة للذهن بالارتباط بينه وبين وطنه. وهذا يعود مباشرة للشيوع والشهرة وهو متغيّر بتغيّر الحقب. فنحن هنا لا نناقش كيف ومتى أصبح هذا الشعار وطنياً؟ لكننا نناقش هذا اللباس أو الشعار هل يمثل الوطن - حالياً - أم لا؟ وأخيراًَ «اللبس الملائم» وهو اللبس الذي يلائم المهنة لتقليل الأضرار وتجنب المخاطر أو ما يناسب رؤى الجهات المعنية ويلائمها. ولن أذكر لباس العمال لأنه مثال مستهلك، ولكن لنفكر في زوار دور الأوبرا حول العالم، بحيث هناك نوع من البروتكول الذي تفرضه أغلب الدور على مرتاديها بأن يرتدوا لباساً رسمياً (بدلات رسمية) كما يسمح للخليجيين بارتداء الغترة والشماغ (والعباءة للمرأة) كزي رسمي تابع لبلدانهم. فالسؤال الآن لمن حوّل قرار لباس المذيعات لفكرة مناهضة لحقوق المرأة لماذا لا نناقش أيضاً، وتحت مسمّى (حقوق الإنسان) لباس الأطباء والتلاميذ والباعة والعمال والجنود ولا ننسى زوّار دار الأوبرا؟ سؤال ينتظر إجابة دون ازدواجية أو كيل بمكيالين. ولا ننسى تحريك الفكرة هو سر دوامها.