لم يكن وقته محدوداً بحياته، ولا جهده محدداً بشأنه، ولا همه محصوراً في بيته، ولا سؤاله يفارق معشوقته حائل، سواء لها أو عنها أو حولها، ومن كان هذا ديدنه فمن الطبيعي أن يتعب قلبه، ثم يُنهك جسده، وقد تعب ذلك القلب الأبيض النقي في السنوات الأخيرة من حياته (نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله)، مع ذلك استوعب قلبه المتعب كل الناس بأحوالهم المتباينة، بل استوعب حائل بهمومها الخدمية ومطالباتها التنموية. ويكفي أن تهتف: محمد الراجح، فيتردد الصدى طرباً بين أجا وسلمى ذاك (أبا سالم)، يكفي أن تقول حائل، فتقول ذاك الذي أحبني بعطاء، فأحببته بصدق، يكفي أن تقول هناك مشروع يتم تحرير أوراقه أو مبادرة يتم إعدادها، فتجد بين السطور وخلف الكواليس محمد الراجح، يكفي أن تقول: الجمعية الخيرية، فيقال: رحم الله رائدها، يكفي أن تقول وجدت مواطناً لا يمل السعي لخدمة منطقته فيقال ذاك محمد الراجح. يكفي أن تكتب عن حائل فتكون من أحب الناس إليه. ذاك هو فقيد حائل الكبير، الراحل أبي سالم محمد بن سالم الراجح (تغمده الله بواسع رحمته وألهمنا بفقده الصبر والسلوان)، الذي شيعته حائل ظهر يوم الأربعاء 2 ربيع الأول 1436هـ (24 ديسمبر 2014م) بعد رحلة طويلة مع المرض، فوافاه الأجل في الولايات المتحدة الأميركية وهو يتلقى العلاج. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
من يتمعن في السيرة الذاتية لمحمد الراجح قد يقول إنها سيرة تقليدية، لا تختلف عن سِير كثير من الناس والشخصيات العامة، التي نسمع عنها في أوساطنا الاجتماعية أو الإعلامية أو الثقافية، لكنه في الوقت نفسه قد يتساءل عن السر في حجم الرثاء، الذي حظي به الراحل (رحمه الله)، حتى أن منطقة حائل بأهلها، وجبالها، ومعالمها، وقراها قد نعته بألمٍ واحد، وبكته بصوت مبحوح، ولبست لأجله السواد، وجعلت يوم وفاته عنواناً لرحيل (قامات حائل)، فلقد كان قامة في حب الخير، وقامة في العطاء، وقامة في النزاهة، وقامة في الخصال الحميدة.
السر في طبيعة شخصية محمد الراجح، وليس في مضامين سيرته من وظائف وعضويات وأنشطة، فهذه الشخصية الاجتماعية الفذة، ارتبطت بـ(القيم) على المستويين الإنساني، والحضاري، وهنا تبرز سيرته الحقيقية وليست المكتوبة، فارتباط أبي سالم بالقيم الإنسانية أو الحضارية كان عملياً على أرض الواقع الفعلي الملموس، وليس تمثيلياً على مسرح المظاهر الاجتماعية الخداعة، لذلك فتلك السيرة التي قد يراها البعض تقليدية؛ تخفي خلفها مسيرة عطرة لرجل نذر نفسه لمجتمعه ومنطقته، مسيرة ستكون خالدة -بإذن الله- في ذاكرة كل أجيال حائل والوطن بشكل عام.
كان صادقاً في حديثه، وراقياً في تعامله، ونزيهاً في يده، وحراً في رأيه، وكريماً في أخلاقه، كان يرى الخير في حب الناس ومساعدتهم، ويعتبر أعظم العطاء ما كان في خدمة مجتمعه، وخير الجهود ما كان في رفعة منطقته، بما يسهم في إبراز الوجه الحقيقي للمجتمع السعودي والمملكة بشكل عام.
من هنا ارتبط اسمه في كل أنشطة العمل الخيري بمنطقة حائل فهو أحد رواده إن لم يكن أولهم، كما عرفته كل المبادرات الوطنية، التي جرت على أرض حائل، سواء كان رئيساً أو قائداً أو مشاركاً فيها.
لقد كان -رحمه الله- مثالاً حياً ونموذجاً واقعياً للمواطن الوطني الحقيقي.